رمز الخبر: 3076
تأريخ النشر:24 April 2017 - 16:27
روسيا سوريا وحزب الله وتناقض المواقف
قد تبدو المنطلقات التحليلية أحياناً مدهشة لأسباب كثيرة، ولكن أن تكون مدهشة لأنها مخجلة، فهذا لا يحتمله سوى إعلام النفط وسياسييه وضيوفه.
فيقول مثلاً أحد المحللين على قناة نفطية، "إنّ الولايات المتحدة تجازف بسمعتها في المنطقة العربية، لأنها لم تتابع وتوسّع ضربتها لمطار الشعيرات"، ويضيف آخر في صيغة مبالغة "أنّ الديمقراطيين-الحزب الديمقراطي الأميركي- يكرهون ترامب أكثر ما يكره العالم بوتين والأسد".

ولكن بالنسبة لهؤلاء فالأمر ليس مخجلاً، والاستسلام لهذا النوع من الوعي المستحدث، سيفتح الطريق أمامهم لاستبدال سمعة الولايات المتحدة "العطرة" بسمعة "إسرائيل" "الأعطر".

ولكن الأخطر هو أن يكون هذا المتحدث الحريص على سمعة أميركا، أكثر إدراكاً منّا وأكثر اطلاعاً على وعي هذه الشعوب، وأن غالبيتها الساحقة تنتظر احتلالاً أميركياً أو "إسرائيلياً" لسوريا، تحت شعارات روّجها النفط بشقيه الإعلاميين، الديني والسياسي، من قبيل "أفضلية الاحتلال على الاستبداد"، أو أن "اليهود أفضل من هذه الفئة أو تلك".
لكن على افتراض أن هذا كان إدراكاً حقيقياً وليس مزيفاً، فقد فاتهم إدراك أن الدهماء والغوغاء بطبيعتها تتبع القوي المنتصر بغض النظر عن ماهيته، فإن كانوا يراهنون على هذه النوعية، فإنّ رهانهم كالحمل الكاذب.

ولكن يبدو أنّ هناك رهانات حقيقية لا تدانيها الأوهام، فقد صدر في الآونة الأخيرة مواقف ظاهرها التناقض، لأطراف متعددة في حلف واحد.

أولها كانت التصريحات الروسية بعد العدوان الأميركي على مطار الشعيرات، والتي فحواها أنّ "سوريا لديها من الإمكانيات ما يكفي لصد أيّ عدوان أميركي محتمل.

والثانية حين كرر الرئيس الأسد في مقابلتين على التوالي "أنّ سوريا لا تستطيع مجابهة العدوان الأميركي"، بينما قال في المقابلة الثانية "أنّ الإرهابيين دمروا ما يقارب 50% من قدرات الدفاع الجوي السورية".

وأما الثالثة فهي الجولة الإعلامية التي نظمها حزب الله لحدود فلسطين المحتلة، بما حملته من رسائل قوة رادعة.

والحقيقة أنّي أؤمن بشكل قاطع، أن للسياسة عالم مواز، فما نراه وما نسمعه ما هو إلّا غبار المعارك في أحسن الأحوال، وأنّ ظاهر السياسة هو آخر شيء ارتباطاً بباطنها، فكيف يناقض الرئيس الأسد-ظاهرياً- حليفه الروسي، بل ويناقض سلوكه الفعلي بالتصدي للطائرات "الإسرائيلية" سابقاً، هذا في الوقت الذي اتفقت فيه ما تسمى بـ"المعارضة السورية"، على أنّ أحد أهم أسباب إحجام إدارة أوباما عن إقامة مناطق حظر جوي، كان الخشية الأميركية من قدرات الدفاع الجوي السورية.

وهنا أود أن أذكر شاهداً من الماضي القريب، ففي أوائل العدوان "الإسرائيلي" على لبنان-حرب تموز-، قال السيد نصرالله ما معناه أن مهمتنا كمقاومة ليست التمترس الجغرافي ومنع العدو من السيطرة على الأرض، ورغم هذا الاستباق فإنّ المقاومة حرَّمت الأرض على الجيش الذي كان قبل زمن المقاومة لا يقهر.

ويبدو أن حديث الرئيس الأسد يأتي في نفس السياق، وهو تواضع المنتصر وثقته، فما يقوله الأسد حرفياً، أن هذه الضربات الأميركية عن بُعد وتكراراً على شكل عدوان الشعيرات، هي غير ذات جدوى، لذلك فالتصدي لها مجرد حماقة توازي حماقة العدوان ذاته.

وإذا ربطنا إضافة الرئيس الأسد حول دور الأردن، فيما يحاك من استعدادات للدخول البري بغطاء أميركي، وبشكل لافت من رجل لم يعتد مهاجمة الأطراف بهذا الشكل، فإنه يضيف أن حماقات الاقتراب الأميركي ستكون مكلفةً وباهظة بعكس الحماقات عن بعد.

وبالتوازي ينظم حزب الله جولة إعلامية على حدود فلسطين المحتلة، في ردع تراكمي للتجهيزات على الحدود الأردنية، فإنّ محاولات "إسرائيل" لاقتطاع جغرافيا سوريا عن طريق الأردن، قد يقابلها اقتطاع لأراض في فلسطين المحتلة، وليكن الجليل بشكل مبدئي، فآخر ما ينتظره الأسد هو التعليق الأردني على تصريحاته، بالضبط كما أنّ آخر ما ينتظره حزب الله تعليقاً على جولته تصريحات سمير جعجع، فهما العنوان غير المقصود، فالأسد أوصل رسالته للبيت الأبيض، فيما وصلت رسالة الحزب إلى "تل أبيب".
هذه الرسائل تتلقفها دول النفط وإعلام النفط ومن تبعهم بشكل تطفلي، ولا مبررات لذلك سوى التبعية والإدراك المسبق والمفتعل بأنّ وجود أنظمة النفط والاعتدال واستمراريتها، مرتبط بشكل شرطي بوجود الأساطيل الأميركية وبقاء "إسرائيل".

ولكن السؤال الأهم، هو عن إمكانية التصعيد المباشر وهل هو واردٌ ومتى، قد يكون التصعيد عبر الإرهاب هو الخطة "أ"، وأما الخطة "ب" قد تكون دخولاً أميركياً أو"إسرائيلياً" مباشراً، وهنا نكون أمام احتمالين، إما تحالف عربي تركي تقوده الولايات المتحدة مع استبعاد "إسرائيل" ظاهرياً، أو تحالف عربي تركي تقوده "إسرائيل" بشكل مباشر بغطاء أميركي.

ومن محاذير الاحتمال الأول إمكانية التصادم الأميركي الروسي، ومن محاذير الاحتمال الثاني قدرة الأنظمة المعتدلة على تبرير هذا التحالف العلني شعبياً، فالأرجح أنه وقبل تبلور علني لمحور معتدل بقيادة "إسرائيل"، سنظل نراوح بين التصعيد عبر الإرهاب، وضخ إعلامي سياسي ومذهبي، للوصول إلى مرحلة ابتلاع واستساغة هذا الحلف المعلن.

المصدر: بيروت برس