رمز الخبر: 4121
تأريخ النشر:20 September 2017 - 11:22
عندما تتفاوض تركيا مع نفسها لفرض منطقة خفض تصعيد في ادلب
يبدو ان انخراط ادلب كمنطقة وميدان وجغرافيا في مشروع مناطق خفض التصعيد في سوريا سائر نحو التنفيذ، بالرغم من ان جبهة تحرير الشام لم تقتنع حتى الان بمندرجات اتفاقات استانة المتتالية، حيث النقطة الاهم في مقرراتها جميعا هي تحقيق وفرض مناطق خفض التصعيد في سوريا، وتأمين ارضية امنية وعسكرية تؤسس للسير بمباحثات جنيف حول تسوية سياسية للازمة السورية. ولكن من الواضح ان الايام القادمة ستشهد مناورة مركبة: امنية - عسكرية - سياسية لفرض هذه المنطقة في ادلب، ويكون عرابها الاساس تركيا، ولكن كيف ستستطيع الاخيرة تظهير وتنفيذ هذه المناورة؟
الدور التركي في تقوية جبهة النصرة

- بالاساس، لم تكن تركيا بعيدة ابدا عن تصاعد نفوذ وتمدد جبهة النصرة(تحرير الشام اليوم)، وقد لعبت(تركيا) دورا محوريا في تعزيز عناصر القوة لدى الجبهة المذكورة، لناحية فتح الحدود السورية - التركية امام المسلحين الاجانب الذين هاجروا للقتال ضد الدولة والجيش في سوريا، حتى انها ايضا فتحت هذه الحدود امام المسلحين السوريين الوافدين من مناطق سورية اخرى مفصولة جغرافيا عن ادلب وارياف حلب واللاذقية الشمالية، واغلب هؤلاء وخاصة الاجانب منهم شكلوا دائما العمود الفقري لجبهة النصرة.

- من ناحية اخرى، شكلت تركيا وعلى مر الحرب على سوريا نقاط ارتكاز ميدانية وعسكرية ولوجستية لتمرير وتوزيع الاسلحة الى الداخل السوري، وكانت مخازنها الرسمية او الشعبية الموالية لاستراتيجية الدولة في دعم الارهابيين في سوريا، نقطة تجميع وتنظيم وتوزيع وادارة اهم العتاد والاسلحة المرسلة الى الارهابيين من بلدان اوروبا الشرقية والممولة من البنتاغون او من وكالة المخابرات المركزية الاميركية او من الدول الاقليمية المعروفة وعلى رأسها السعودية وقطر، ونذكر جيدا، على سبيل المثال لا الحصر، الدور المحوري لصواريخ تاو الاميركية المتطورة المضادة للدبابات في معارك سيطرة النصرة على ادلب وجسر الشغور وسهل الغاب وغيرها.

- من ناحية اخرى، لعبت غرف عمليات انطاكية وجيش الفتح، باشراف تركيا مباشرة، دورا حيويا ومهما في ادارة معركة الارهابيين ضد الجيش العربي السوري في اغلب المحافظات السورية، وحيث كانت جبهة النصرة العماد الرئيس في تلك المجموعات، فان تركيا كانت تشكل بالنسبة لهذه الجبهة الارهابية الرئة التي تتنفس منها، عسكريا وسياسيا واعلاميا وامنيا وتنظيميا.

علاقة جبهة النصرة بتركيا

اذا اعتبرنا ان تركيا كانت لاعبا اساسيا في الحرب على سوريا، انطلاقا مما قدمته للارهابيين على اختلاف مسمياتهم، وعلى رأسهم ايضا تنظيم داعش الارهابي، حيث الجغرافيا الممتدة مع اماكن سيطرة التنظيم الارهابي في بدايات تمدده في الشمال والشمال الشرقي السوري، وما لذلك من ارتباط مالي ولوجستي بالعناصر الارهابية وبالاسلحة وببيع النفط السوري والعراقي المسروق، فان جبهة النصرة كانت وما زالت النقطة الرابحة لتركيا والتي تفرض من خلالها وعبرها اجندتها في الحرب على سوريا، خاصة وانها، (اي تركيا)، رأت بعد دعم الاميركيين للأكراد، انها بحاجة لورقة مؤثرة في الميدان السوري، تعرقل من خلالها جميع التسويات ومشاريع التسويات، وانها في تخليها عن جبهة النصرة مجانا، سوف تفقد نقاط التأثير في الميدان السوري الذي طالما جهزته لاستغلاله من كافة النواحي.

مناورة تركيا لتفكيك النصرة

اذن، ومن خلال ما ذكر من معطيات، حول دور تركيا في خلق وتقوية جبهة النصرة(تحرير الشام حاليا، حيث إن تبديل اسمها لم يكن بعيدا عن نصائح ومناورات تركيا الخبيثة)، وايضا من خلال ما يبدو من اهمية ودور لجبهة النصرة كعامل وكعنصر مؤثر تستغله تركيا، بعد ان فقدت اوراقها بالكامل نتيجة صمود الجيش العربي السوري مدعوما من حلفائه في محور المقاومة، فمن الطبيعي ان ما تقوم به اليوم تركيا لناحية التهويل بمهاجمة النصرة ودفعها بالقوة للانخراط بتسوية مناطق خفض التصعيد في ادلب او في غيرها من مناطق خفض تصعيد، لا يبتعد عن مناورة تركية تلعب من خلالها على خط رفيع جدا في الايحاء بسيرها ضد النصرة، في الوقت الذي تحضر الارضية لتفكيك الجبهة الارهابية المذكورة واستيعابها، و ذلك على الشكل التالي:

اولا: تسحب تركيا المجموعات الاجنبية من ادلب وتعيدها الى الدول او المناطق التي نقلتها بالاساس منها، وطبعا تحضرها لمهمة اخرى واستغلالها في تفكيك وزعزعة امن دولة او محيط معين، قد لا يكون بعيدا عن سوريا او عن العراق ودائما تحت عنوان مذهبي عقائدي تكفيري.

ثانيا: توجيه الارهابيين المحليين من جبهة النصرة، وتحت التهويل بالحسم العسكري، ظاهريا، للتخلي عن صورة الارهابيين والسير كمعتدلين مع تقديم ضمانات مدروسة لهم.

ثالثا: توجيه المجموعات المسلحة الاخرى من غير النصرة او من الذين ينسحبون تباعا من النصرة، والذين ترعاهم وتديرهم، للانخراط تحت امرة او قيادة وحدات عسكرية روسية، كمراقبين او كشرطة محلية، وادخالهم في منظومة تنفيذ خفض التصعيد.

رابعا: تنفيذ مسرحية امنية عسكرية في مهاجمة ما تبقى من عناصر النصرة غير المقتنعين بالانخراط بمفهوم خفض التصعيد، واظهار نفسها ضامنا قويا لتنفيذ الاتفاق.

وهكذا، تكون تركيا، وفي مناورة فرض منطقة خفض التصعيد في ادلب، وإجبار جبهة النصرة على الاقتناع بها، سلميا او عسكريا، كمن يتفاوض مع نفسه في ازدواجية مقيتة، طالما اتقنتها وبرعت فيها، وتكون قد نجحت في سحب جبهة النصرة(الابن المدلل لها) من كونها تنظيما ارهابيا بمدلول دولي، واستوعبتها في منظومة التفاوض والمكتسبات السياسية كراعية وفية لها.

المصدر: شام تايمز