] هل قصف الجيش السوري خان شيخون بالكيميائي؟
الرئیسیة >>  عمومی >> تیتر یک
08 April 2017 - 15:43 : تأريخ النشر
 ، رمز الخبر : 2932

هل قصف الجيش السوري خان شيخون بالكيميائي؟

جاءت مزاعم قيام الدولة السورية بقصف جوي بالغازات السامة على بلدة خان شيخون، في محافظة إدلب، في سياق وتوقيت يثيران التساؤل، وبصرف النظر عن أن مثل تلك القضايا من المفترض أن يتم تناولها عبر تحقيق تفصيلي أي استقصائي وجنائي مدقق، فضلا عن بديهية أن يكون محايدا، وفي هذه الحالة على الجهة القائمة به أن تضم محايدين حقيقيين أو على الأقل عناصر تمثل طرفي القضية، فإن قراءة نقاط وتتابعات السياق العملي والتاريخي للحدث – بوصفه حدثا على الأرض تتلقاه الأغلبية من خلال إعلام هو بدوره منحاز بالطبيعة – تثير التساؤلات عن هذا القصف، مع بديهية كونه حادثا مفزعا ومنكورا على المستوى الإنساني والوجداني بدرجة لا تقل عن العديد من أحداث الحرب على سوريا منذ بدايتها.
سيل من الاتهامات والنفي والاتهامات المضادة أحاط بالهجوم الكيميائي الذي استهدف المدنيين في خان شيخون في ريف إدلب، الهجوم الكيميائي وبحسب المعلومات المتداولة أسفر عن قتل العشرات وإصابة آخرين، الفصائل المسلحة ومنصات المعارضة السورية التي تدور في فلكها سارعت إلى اتهام الحكومة السورية بتنفيذ الهجوم، وهو اتهام تبته تركيا، ورجحته بريطانيا التي طالبت إلى جانب فرنسا بعقد جلسة طارئة اليوم لمجلس الأمن الدولي، المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، وصف ما جرى بأنه من الأعمال الشائنة للنظام السوري، ورأى أن الحادث هو نتيجة لضعف الإدارة الأمريكية السابقة وترددها.
وكالة رويترز نقلت عن مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية أن واشنطن تجمع الحقائق حول الحادث، وأنه إذا ثبت أنه هجوم كيميائي، فسيرقى إلى جريمة حرب، وهو الأمر الذي يشير إلى أن اتهامات واشنطن للحكومة السورية تم قبل التحقيق أصلًا.
لجنة التحقيق في الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في سوريا أكدت أن ما حصل كان هجومًا كيميائيًا، وأنها فتحت تحقيقًا في الحادث.
أجواء الاتهامات السريعة من دول تحمل أجندة مشبوهة حول الأزمة السورية رافقها نفي من الروس ودمشق بأنه لا استخدام للسلاح الكيميائي من قبلهما.
خان شيخون
تعد خان شيخون من أبرز مناطق سيطرة جبهة النصرة في ريف إدلب، ووفقًا للمصدر السوري المعارض تعد حادثة خان شيخون الأكبر بعد استهداف مناطق في غوطة دمشق الشرقية بغازات سامة، وهي الحادثة التي لم تصدر نتائج تتهم طرفًا محددًا في الضلوع بها حتى الآن.
حادثة خان شيخون تأتي بعد نحو ثلاثة أعوام على تفكيك سوريا منظومة أسلحتها الكيميائية، وانضمامها إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، تزامنًا مع إعلان البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن دمشق تعاونت بشكل كامل مع المفتشين الدوليين الذين أوكلتهم الأمم المتحدة للإشراف على تفكيك منظومة الأسلحة الكيميائية والجرثومية السورية بالكامل، وهو الأمر الذي نوه به أمس نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بأن الجيش السوري لا يملك هذه الأسلحة، ولا يريد أن يستخدم هذه الأسلحة، حتى في أشد المعارك مع المجموعات الإرهابية المسلحة.
في الوقت الراهن وبنظرة سريعة على سجل الأسلحة الكيميائية للأطراف الثلاثة المتحالفة مع بعضها ضد الإرهاب في سوريا، وهي سوريا وروسيا وإيران، نجد أنهم جميعًا تخلوا أو في طريقهم للتخلي عن هذه الأسلحة، فسوريا تم تفكيك أسلحتها الكيميائية تحت إشراف أممي، وروسيا قالت إن التزامات موسكو الدولية بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية تقتضي بأن تستكمل هذه العملية حتى يوم 31 ديسمبر عام 2018، مع ترجيحات روسية بأن عملية استكمال تدمير هذه الأسلحة قد تنتهي بنهاية العام الجاري، وفيما يخص إيران فقد تخلّت عن الأسلحة الكيميائية قبل انضمامها إلى "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية” في عام 1997، الأمر الذي يشير إلى أن حسابات الهجوم الكيماوي غير مطروحة على أجندة هذه الدول، خاصة أن الوقائع الميدانية تشير إلى تفوق هذه القوى على الأرض السورية، وسيطرتها على ما يزيد على 85% من سوريا، وبالتالي فهي لا تحتاج لتنفيذ هجوم كيماوي، خاصة أن الملف الكيماوي كان ذريعة لأمريكا لشن عدوان على سوريا 2013.
ما هو دور الجيش السوري ؟ 
استبعد خبراء عسكريون مصريون استخدام الجيش السوري لأسلحة كيميائية ضد مناطق المعارضة خاصة في هذه المرحلة، وأرجعوا ذلك إلى عدة أسباب أبرزها أن الجيش السوري اقترب من حسم المعركة وبدا واضحًا تحريره لأغلب مناطق الشمال السوري، مؤكدين أن استخدام مثل هذه المواد السامة تأتي في إطار المعارك الوجودية والشرسة جدًا، وهو ما لا يتناسب مع الوضع السوري الراهن، لاسيما وأن الكثير من المسحلين سلموا أنفسهم للسلطات السورية في الفترة الأخيرة، وهو ما يوضح سهولة المعركة وانهيار الجماعات المسلحة واقتراب القضاء عليها.
في الوقت نفسه، أبعدت تقارير أجنبية عسكرية عن الجيش السوري الاتهامات الموجهة له باستخدام مثل هذه الأسلحة، لاسيما وأن كل التحليلات العسكرية تؤكد أن المواد السامة مصدرها الأرض وليس الغارات الجوية التي تطلقها سوريا وروسيا ودول التحالف الدولي.
اللواء عبد الرافع درويش، الخبير العسكري، قال إن هناك شيئا من المبالغة الواسعة والتسرع في تحديد المتسبب بالهجوم الكيميائي والغازات السامة الذي وقع بالأمس في مدينة خان شيخون بريف إدلب، مؤكدًا أن هناك حملة غربية لاتهام الجيش السوري بهذه الهجمة رغم أنها غير مبررة كونه سلم كل أسلحته الكيمائية منذ 4 أعوام برعاية أمريكية روسية.
وأضاف درويش لـ«البديل» أن التفاصيل والمعلومات غائبة عن هذه الحادثة البشعة، ولكن التقديرات والتحليلات تؤكد صعوبة استخدام الجيش السوري لهذه الأسلحة السامة، لا سيما وأن كل التقديرات العسكرية تشير إلى أنه لا يحتاج لمثل هذا الهجوم لسيطرته على الأرض في ذلك لأنه حسم الوضع بشكل واسع في الفترة الأخيرة وسيطر على أغلب مناطق الشمال السوري وحصار الجماعات الإرهابية في مناطق أخرى.
ومن هناك نستنتج أن اختلاق هذا الوضع المتأزم في سوريا، وهو ربما لإحداث توازن على الأرض وتفويت الفرصة على الانعطافة الدولية تجاه سوريا التي حدثت مؤخرًا بعد قرب الانتهاء على الجماعات المسلحة وإعادة السيطرة للجيش السوري على كافة المناطق، بحسب اللواء عبد الرافع درويش.
وتابع الخبير العسكري المصري أن الاحتمال الأكبر أن يكون الجيش السوري أطلق غارات على مخازن أسحلة تابعة للمعارضة كانت تحتوي أسحلة كيميائية وغازات سامة، الأمر الذي أدى إلى مقتل المئات ووقوع هذه الحادثة البشعة إنسانيًا، مشددًا على صعوبة وضع الجيش السوري في حيز الاتهام بعد التطورات العسكرية الأخيرة، مشيرًا إلى أنه كانت هناك مناطق أصعب جغرافيًا وعسكريًا في المعركة ولم تستخدم فيها أسلحة كيميائية.
من جانبه، قال اللواء محمود زاهر، إن كل التقديرات العسكرية تستبعد شن الجيش السوري مثل هذا الهجوم الذي يصنف كجريمة حرب، فمن ناحية لا توجد تأكيدات حتى الآن  رغم كافة هذه الصور على وجود ضرب كيميائي حقيقي، ومن جهة أخرى فإن الوضع في الفترة الأخيرة هو بالكامل لصالح الحكومة السورية حتى إن الكثير من المسلحين بالفصائل السورية بدأوا تسليم أنفسهم للسلطات السورية، مشيرًا إلى أن الدول الغربية دأبت على اتهام سوريا بارتكاب مثل هذه الجرائم ولم تثبت حتى الآن أي واقعة.
اللواء زاهر أضاف لـ«البديل» أن التحليل الموضوعي لهذا الحدث وتداعياته السريعة على المستوى الدولي بعد الحملة الإعلامية التي قادتها القنوات المؤيدة للمعارضة هو أن هناك ضغطا دوليا من فرنسا وبريطانيا وتركيا والدول الخليجية لإحداث توازن في الملف السوري، لا سيما وأن الاتهامات التي وجهت من أعضاء مجلس الأمن كانت تتهم روسيا مباشرة بالمسؤولية الكاملة عن هذا الحادث، مؤكدًا أنها ورقة دولية تسعى من خلالها الدول الممولة للحرب السورية أن تعالج ضعف موقف المعارضة السورية، وفي المقابل إحداث ارتباك للحكومة السورية وحلفائها الدوليين.
وكانت صحيفة "روسيا اليوم” أصدرت تقريرا نقلًا عن محللين ومصادر عسكرية  أكدوا فيه أن الشهادات واللقطات من بلدة خان شيخون السورية لا تتضمن أي دلائل على استخدام قنبلة جوية تحتوي على مواد كيميائية، لاسيما وإن إسقاط مثل هذه المواد من الطائرة يمكن تنفيذه بطريقتين إما عبر أجهزة خاصة لرش المادة السامة (وهو الأسلوب الذي استخدمه سلاح الجو الأمريكي في فيتنام)، أو عبر إلقاء قنابل جوية تحتوي على مادة كيميائية.
وقالت وزارة الدفاع الروسية أن بيانات وسائل المراقبة الإلكترونية تؤكد أن الطيران السوري وجه ضربة جوية إلى مشارف خان شيخون الشرقية، إذ استهدفت الغارة مستودعا كبيرا للذخيرة وتجمع آليات حربية تابعة للإرهابيين، وكانت ورش لتصنيع قذائف كيميائية توجد في محيط المخزن.
وأوضح اللواء إيغور كوناشينكوف، الناطق باسم الوزارة، أن الإرهابيين كانوا ينقلون المواد الكيميائية من هذا المستودع إلى العراق، حيث تم توثيق استخدامها من قبل الإرهابيين أكثر من مرة، وتابع أن نفس الذخائر المحشوة بالمواد الكيميائية استخدمت في حلب السورية، حيث وثق خبراء روس آثارها، وشدد على أن أعراض التسمم للمصابين في خان شيخون هي نفسها التي ظهرت عند المتضررين بسبب الهجمات الكيميائية في حلب.
ولم تكن هذه الاتهامات بشن هجوم كيميائي هي الأولي للجيش السوري، حيث تستمر القوى الغربية وخاصة فرنسا وبريطانيا وأمريكا على إلصاق هذا الاتهام بالحكومة السورية في مجلس الأمن دون جدوى، ولكن فشل الأمر أكثر من مرة، حيث عرقلت روسيا والصين مارس الماضي، مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي بخصوص معاقبة الحكومة السورية لمسؤوليتها عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
ملاحظات على السياق والتوقيت
جاءت مزاعم قيام الدولة السورية بقصف جوي بالغازات السامة على بلدة خان شيخون، في محافظة إدلب، في سياق وتوقيت يثيران التساؤل، وبصرف النظر عن أن مثل تلك القضايا من المفترض أن يتم تناولها عبر تحقيق تفصيلي أي استقصائي وجنائي مدقق، فضلا عن بديهية أن يكون محايدا، وفي هذه الحالة على الجهة القائمة به أن تضم محايدين حقيقيين أو على الأقل عناصر تمثل طرفي القضية، فإن قراءة نقاط وتتابعات السياق العملي والتاريخي للحدث – بوصفه حدثا على الأرض تتلقاه الأغلبية من خلال إعلام هو بدوره منحاز بالطبيعة – تثير التساؤلات عن هذا القصف، مع بديهية كونه حادثا مفزعا ومنكورا على المستوى الإنساني والوجداني بدرجة لا تقل عن العديد من أحداث الحرب على سوريا منذ بدايتها.
أولا: ترسانة السلاح الكيميائي السوري تم تفكيكها بالكامل بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في السابع والعشرين من سبتمبر عام 2013، وتم تنفيذ القرار من قبل السلطات السورية تحت إشراف دولي كامل شمل كافة مراحل التفكيك، مع آلية تضمنها أحد بنود القرار تكفل إبلاغ "المجتمع الدولي” بأي تباطؤ أو تلاعب من الجانب السوري بخصوص التنفيذ وهو ما لم يحدث وفقا لجميع الأطراف.
ثانيا: المتابع للوضع الميداني السوري، وهو متحرك بشكل يومي وبسيولة نسبية، يعلم أن بلدة خان شيخون كانت محل قصف سابق لنقاط الفصائل الإرهابية بها خلال الأسبوعين الماضيين بصفتها نقطة رجوع  لمقاتلي الفصائل نحو منطقتهم الدافئة، أي ما بعد الخط الفاصل بينهم وبين حدود منطقة سيطرة الجيش العربي السوري، فهي منطقة فاصلة بين الجبهتين تمثل عُقدة بين منطقتي السيطرة ومن ثم يتماس الفريقان عندها بتقارب جغرافي يجعل ضربها بسلاح نوعي كالسلاح الكيميائي بشكل عام ضربا من الحماقة، ليس مراعاةً من الدولة السورية لحياة النساء والأطفال فقط، بل بالأكثر بداهة حفاظا على حياة جنودها المقاتلين في حربها والملاصقين للمكان.
 فالسلاح المذكور يعد ذا دائرة انتشار جغرافي واسع، ومن هنا يكثر استخدامه، في الأغلب المطلق، لضرب منطقة واسعة في معقل العدو وليس في منطقة مفصلية معه أو ضرب "أراضيه الرئيسية” أصلا، كما نرى في السابقة التاريخية لفعل صدام حسين في العراق مع الأكراد، فضلا عما يعلمه المتابع أيضا من سكون ميداني نسبي لبلدة خان شيخون تجعل من غير الضروري عسكريا، وتكتيكيا بشكل مبدأي، أن يتم توجيه سلاح بتلك الخطورة والتكلفة العالية ماديا وبشريا وبالمخاطرة إليها، في ظل كونها خطا حدوديا لكيان وجبهة مستقرة للعدو (أي ما يقع خلفها من أغلب محافظة إدلب) لا يفكر الجيش السوري في حسم موقفه معها عسكريا، فإدلب وأكثر منها دير الزور جبهتان مؤجل حسم الموقف فيهما بالفعل على الخارطة العامة لنشاطه ونشاط غيره من الأطراف، والتعزيزات التي تدفقت إلى هجوم ريف حماة الأخير للمسلحين أتت من عمق إدلب حيث المخازن ومركز الإمكانات، فلو أرادت الدولة السورية ضرب إدلب لتصفية وضعها، كمرتكز ضخم باق للفصائل التي يطلق عليها الغرب صفة الاعتدال، لضربت المعقل من الداخل بناءً على حسابات يمكنها وضعها مع سلاح الجو والفضاء الروسي بسهولة.
ثالثا: تعرضت العاصمة السورية في الأسابيع الأخيرة لهجوم ضخم من الفصائل الإرهابية انطلاقا من مرتكزاتها في منطقة الغوطة الشرقية استهدف رفع الحصار عن حي برزة وحي القابون من جهة، ومحاولة وصل حي القابون بحي جوبر – المدخل الشمالي الشرقي للعاصمة – من ناحية أخرى، وكان مشروع للمصالحة وإخراجهم من برزة والقابون قد تم الشروع فيه قبيل الهجوم وتم تعطيله وقطع الطريق عليه بفعل أطراف من داخل الفصائل مثّلتها تحديدا جبهة النصرة، وبصرف النظر عن استيعاب الجيش للهجوم فإنه مثّل تهديدا جادا على قلب الدولة ومركز السلطة المركزية في دمشق، فإذا كان لدى الأخيرة الجهوزية والقبول لاستخدام السلاح الكيميائي لكان من المنطقي أكثر استخدامه في عمق منطقة سيطرة المسلحين على الأطراف البعيدة لدمشق أي الغوطة الشرقية، التي استعصى تحريرها الكامل على السوريين حتى الآن رغم التقدم البطيء في هذا الإطار، مع ما يمثله احتلال الفصائل للمنطقة من تهديد استراتيجي للعاصمة التي يرتبط صمودها ببقاء الدولة أساسا.
نموذج آخر مشابه لمنطقة كثيرا ما أربكت موقف الجيش العربي السوري وخصمت من موقفه العسكري، هي بلدة كباني في ريف اللاذقية، التي يحاول الجيش طرد المسلحين منها منذ سنوات دون نجاح، ومع تهديدها القائم للساحل السوري المستقر تحت سيطرة الدولة، وطبيعتها الحَرشية التي تجعل من تطهيرها من الفصائل مهمة بالغة الصعوبة، يكون استخدام السلاح الكيميائي فيها حلا مثاليا وناجزا، وآمنا للمواطنين السوريين في اللاذقية البعيدة نسبيا.
رابعا: بخصوص توقيت الحادث وما تبعه من حملة إعلامية ممنهجة قامت بها جهات إعلامية ودعائية ذات أداء غير موضوعي على وجه الإطلاق بخصوص الحرب السورية منذ بدايتها، فالولايات المتحدة بصفتها "عضوا دائما” في مجلس الأمن، وطبقا للآلية التبادلية الداخلية المعلنة والمحددة مسبقا بين الدول الأعضاء في تولي رئاسة المجلس، قد تقلدت منصب رئيس المجلس في الأول من أبريل الحالي ممثلةً في السفيرة نيكي هالي، وجاء الحادث في يوم الثلاثاء بعد يوم واحد من تولي أمريكا للمنصب بما كان سيشمله ذلك من اجتماع دوري للمجلس (محدد مسبقا أيضا) حول قضايا حفظ السلام يوم الخميس التالي، ومن ناحيتها لم تدخر فرنسا وقتا ودعت إلى جلسة عاجلة لمجلس الأمن حول الحادث بعد ساعات منه متهمةً الدولة السورية قبل ودون اتضاح أي ملابسات أو تفاصيل عنه، إلى جانب إفصاح أحد المراسلين العاملين في إدلب مع موقع إخباري، مرافق للفصائل الإرهابية وداعم لها إعلاميا على مدار الساعة، على حسابه على موقع تويتر عن البدء في حملة إعلامية واسعة بخصوص ضرب النظام السوري للمدنيين بالسلاح الكيماوي قبل وقوع الحادث أصلا، وما تلا ذلك من انتقادات وسخرية عن تلك الحملة الإعلامية المكثفة التي تتنبأ بالحوادث فتحدث ثم تقوم بتغطيتها.
خامسا: عن التوقيت أيضا، تعد تلك المرة الثالثة التي تقوم فيها حملة إعلامية ضخمة بمناسبة حادث "كيميائي” من هذا النوع، وللمرة الثالثة أيضا يتزامن الحادث والحملة مع تراجع موقف الفصائل الإرهابية على الأرض، أو فشل إحدى حملاتها الكبيرة والهامة استراتيجيا بالنسبة لها، فقد شهدت الأسابيع الماضية هزيمة ضخمة للهجوم الكبير الذي شنته الفصائل على الريف الشمالي لمحافظة حماة وألقت فيه بكامل ثقلها وتطلعاتها لتحسين موقفها.
في أغسطس 2013 اتهمت الفصائل وإعلامها الدولي الدولة السورية باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية في محيط دمشق، فتزلزلت أروقة السياسة الدولية ووسائل الإعلام الغربية والخليجية تحديدا في ضغط ممنهج، وهو ما أدى في الحقيقة إلى قبول الدولة السورية السريع بتفكيك ترسانتها من السلاح الكيميائي في سبتمبر 2013، وما لبثت الحقيقة أن انكشفت مع انتهاء تحقيقات الأمم المتحدة نفسها بأن الفصائل الإرهابية هي من استخدمت السلاح الكيماوي وليس الدولة السورية، المرة الثانية والأهم رغم تواضع حجمها الإعلامي نسبيا كانت بخصوص حلب في الثلث الأول من أغسطس الماضي، بالتوازي مع فشل المسلحين في استكمال الثغرة التي فتحوها في حصار الجيش السوري للأحياء التابعة لهم (ثغرة الراموسة) وانهيار قواهم أمام الهجوم السوري المضاد خلال معركة تحرير حلب، حينها توالت الأنباء بصياغة واحدة هي نفسها المستخدَمة في كل مرة عن "قيام النظام السوري بضرب المدنيين بالأسلحة الكيميائية”، وكانت فرنسا أيضا أول من تلقف الأمر لتطلق أول نغمات المعزوفة الدولية، بعدها توصلت وحدات الحماية الإشعاعية والبيولوجية في القوات المسلحة الروسية، بفحص الأماكن التي شهدت استخدام السلاح المذكور وأخْذ العينات منها، إلى أن الاستخدام قد تم من جانب الفصائل ووُجه نحو المدنيين وجنود الجيش السوري الذين أصيب منهم 30 عنصرا، داعيةً منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى إرسال خبراء متخصصين للعمل مع وزارة الدفاع الروسية والمشاركة في التحقيق وتوسعته، ولم تشهد الدعوة أي رد أو تجاوب من المنظمة أو من المجتمع الدولي.

mail logo
 برای لغو عضویت اینجا را کلیک کنید.
info@