] 69 عامًا على النكبة الفلسطينية
الرئیسیة >>  عمومی >> تیتر یک
22 May 2017 - 14:50 : تأريخ النشر
 ، رمز الخبر : 3184

69 عامًا على النكبة الفلسطينية

ومع سيطرة سوريا وكوريا الشمالية على جدول الأعمال الدولي، لا تزال القضية الفلسطينية دون معالجة أو اهتمام، حتى الإضراب المستمر عن الطعام الذي قام به أكثر من 1800 سجين سياسي فلسطيني في السجون الإسرائيلية لم يجتذب اهتمامًا عالميًّا كافيًا لإحياء عملية السلام، فالبلدان التي دأبت على الكفاح الفلسطيني من أجل الحرية أصبحت الآن لا تنتقد إسرائيل، في محاولة واضحة لتكون على كتاب ترامب الجيد، فعلى سبيل المثال، امتنعت سريلانكا هذا الأسبوع عن التصويت لصالح قرار مؤيد للفلسطينيين في اليونسكو، وهي المرة الثانية التي تعرض فيها الحكومة إفلاسها الأخلاقي في السياسة الخارجية منذ سنوات عديدة، والأمر الأسوأ هو أن بعض الدول العربية بسبب عدائها تجاه إيران تتعاون مع إسرائيل.

ما قبل النكبة
لم تبدأ المأساة العربية الفلسطينية بحدوث النكبة، بل ثمة سلسلة طويلة ومعقدة من السياسات الاستعمارية البريطانية والصهيونية اُقيمت على الأرض بتحالف ودعم ما يُسمى اليوم "المجتمع الدولي”، الذي كان وقتها يسمى "عصبة الأمم”، ومكوناتها التي غلبت عليها حاليا الدول الاستعمارية الكبرى، بالإضافة إلى تخاذل وتغافل وضعف وانهيار الحكم التركي تدريجياً، ودور كارثي عميل نفذته أنظمة عربية حليفة للاستعمار.
الحديث عن النكبة والقاعدة العسكرية المتقدمة للاستعمار (الكيان الصهيوني)، لا يمكن أن يستقيم دون تناول أدوار جميع أطراف الظاهرة، على رأسها الشعب الفلسطيني، الذي يغيب دوره عن "السردية التاريخية” الرسمية للأنظمة العربية ، صاحبة المصلحة في أن تصوّر لمواطنيها أن الفلسطينيين بادروا إلى الاستسلام من قبل النكبة وبعدها في مقابل اندفاع "العرب” إلى نجدتهم في حرب 1948.
باستمرار الهجرات الصهيونية إلى الأراضي الفلسطينية، التي بدأت في العقدين الأخيرين من القرن 19، مروراً بوعد بلفور 1917، وتصاعدها برعاية الاحتلال البريطاني منذ 1920 (تاريخ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي تم الاعتراف به دولياً عام 1922)، اكتملت أركان المشهد بوصول معدلات الهجرة إلى كثافة غير مسبوقة في بداية ثلاثينات القرن العشرين وخلال النصف الأول من هذا العقد، فضلاً عن تصفية سلطات الانتداب عام 1935 القائد عز الدين القسام ومجموعته العسكرية (العُصبة القسامية)، الذين كانوا طليعة للحركة الوطنية المسلحة المناهضة للاستعمار في عموم الشام لا في فلسطين وحدها.
تكوّنت مجموعة جديدة لمقاومة الاحتلال البريطاني وردع الهجرات الصهيونية بقيادة فرحان السعدي، وفي أبريل 1936، اشتبكت مع عناصر صهيونية مسلحة على طريق نابلس – طولكرم، وأوقعت منهم 3 قتلى، وفي اليوم التالي، قتلت العصابات الصهيونية مواطنين عربيين بالقرب من مستوطنة بتاح تكفا، فثارت الكتلة السكانية العربية في يافا وتل الربيع (تل أبيب صهيونياً)، واتسعت المواجهات، وأعلنت سلطات الانتداب الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، فانضمت الأحزاب والقوى الشعبية الفلسطينية إلى التظاهرات، وأصبح وقف الهجرات الصهيونية المطلب الشعبي الأول بعدما كانت ترفعه تظاهرات شعبية متناثرة، وبادرت الحركة الشعبية الفلسطينية إلى الإعلان عن إضراب عام في كامل الأراضي الفلسطينية، ثم اتجهت إلى بلورة قيادة لها فيما اُطلق عليه "اللجنة العربية العليا”، التي تبنت تنظيم الإضراب وتشكيل لجان تنظيمية له، مع رفع وإعلان مطالب الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وفي مقدمتها، وقف الهجرات الصهيونية ومنع نقل ملكية الأراضي العربية إلى اليهود، نجح الإضراب في شل مناحي الحياة كافة، بالإضافة إلى تصاعد الهجمات على المستوطنات الصهيونية، وبعد بدايته بنحو شهر، أعلنت القيادة الامتناع عن دفع الضرائب لسلطات الانتداب في مقابل تجاهل مطلب وقف الهجرات، وفي الريف والأطراف، نظّمت مجموعات العمل العسكري نفسها بالتدريج، واستهدفت خطوط السكك الحديدية، على رأسها المتجه إلى حيفا ومطار اللد، واضطر الاحتلال البريطاني إلى استخدام المدرعات في تأمين خطوط المواصلات، ثم اضطر إلى تدريعها ضد الألغام مع تزايد خسائره، ونجح الإضراب العام نجاحاً ساحقاً تواصل لستة أشهر.
بتصاعد العمل الثوري العسكري والخسائر البريطانية الكبيرة، والموقف المتراجع عسكرياً للعصابات الصهيونية المتحالفة مع الاحتلال وفي طليعتها عصابة "الهاجاناه” وانحسار قدرتها على حماية الأرض المغتصَبة (المستوطنات)، نجح الاستعمار البريطاني في استخدام الممالك الرجعية العربية، كما يستخدمهم الاستعمار حتى الآن بكل أريحية وسلاسة؛ لتوجيه نداء "عربي” إلى الفلسطينيين لوقف الثورة من الأسر الحاكمة لتلك الممالك، وقتها كان فيصل الثاني في العراق، وعبد العزيز آل سعود مؤسس مملكة آل سعود، وعبد الله الأول أمير شرق الأردن ، باعتبارهم حكاماً عرباً ومسلمين ذوي وزن قَبَلي وعشائري عربياً؛ كي يقيمون وساطة بين الثوار العرب المسلمين وبين الاستعمار البريطاني صديقهم، حتى نجح النداء الملكي العربي في وقف الإضراب الفلسطيني الكبير مؤقتاً، وكانت تلك الفترة المؤقتة كافية لتعلن لجنة تحقيق بريطانية تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ واحدة للعرب وأخرى للصهاينة، على أن تبقى الأماكن المقدسة تحت الانتداب البريطاني.
الدور العربي والحسم العسكري البريطاني
استغل الاحتلال البريطاني فترة الهدنة التي رعاها الملوك العرب أفضل استغلال، وبعودة الثورة اعتراضاً على توصيات اللجنة البريطانية بالتقسيم واغتيال الحاكم البريطاني لمنطقة الجليل، كانت قوات الاحتلال وأجهزته على جهوزية كاملة لقمع الثورة عسكرياً وسياسياً باعتقال أو نفي أو إبعاد قياداتها، ما أدى إلى انهيار القيادة الثورية "اللجنة العربية العليا”، ورغم ذلك، اشتد عود الثورة المسلحة باتساع مجال وتأثير عملياتها العسكرية إلى الحد الذي سيطرت فيه بقوة السلاح والأمر الواقع على قطاعات كاملة من البلاد وأدارتها، بالتوازي مع تصعيد قيادات بديلة للقيادات التي تم اعتقالها وفقدان الانتداب للسيطرة على تلك القطاعات والانسحابات المتتالية لقواته على الأرض، فضلاً عن رد فعل المحيط الحيوي الطبيعي لفلسطين بتشكيل لجنة مركزية في سوريا ولبنان لدعم الجهود العسكرية للثورة هي "اللجنة المركزية للجهاد في فلسطين”، مركزها دمشق وتولاها القيادي أمين الحسيني مفتي القدس، الذي اضطر للخروج من فلسطين بيد الاحتلال، وحاولت اللجنة، وثيقة العلاقة بحزب الاستقلال الفلسطيني ذي الاتجاه القومي العربي وكذلك بالحزب العربي الفلسطيني، إدارة وتنظيم العمل الثوري المسلح في الداخل من الخارج، وأثمرت جهودها القيادية التنظيمية عن تطوير للعمل العسكري، رغم الخلاف بينها وبين العديد من القادة الميدانيين بالداخل.
اضطر البريطانيون إلى زيادة الإمكانات العسكرية؛ فشهد الميدان الفلسطيني تصاعدا كثيفا للتسليح البريطاني كماً وكيفاً، وعدداً على المستوى البشري، واضطروا إلى استقدام خيرة قيادات جيشهم إلى البلاد، على رأسهم القائد العسكري مونتجمري، الذي تولى قيادة الفرقة الثامنة من الجيش هناك في أكتوبر من عام 1938 في مهمة خاصة هي سحق الثورة، وفّرت الإمدادات الجديدة وتعاظم الإمكانات قدرة للإنجليز على "إعادة إحتلال” شِبه كاملة لأغلب قرى وبلدات فلسطين وتمشيطها، بالتوازي مع اعتماد مونتجمري على سياسة عسكرية كان لها دور رئيسي في هزيمة الثورة، وقامت على منهج شمل القتل الفوري للعرب المقاتلين بلا أسْر، وحصر القيادات الرئيسة للثورة والذين يتلقون التوجيه والدعم من القيادة الأعلى في دمشق وتحديد مرتكزاتهم وعديد من معهم من قوات، والمبادرة بالبحث عن القيادات الميدانية الفلسطينية الأدنى وتصفيتها وقائياً، ودعم تسليح المستوطنات الصهيونية التي تحميها العصابات التي كانت مسلحة بالفعل، والتركيز على ترهيب الأهالي من الفلسطينيين وهم الحاضنة الشعبية للثوار وتوعدهم بالقتل الفوري حال تعاونهم مع الثورة، بالترافق مع ترغيبهم بالتطمين والمعاملة الحسنة الهادئة ظاهرياً.
نجحت عمليات التمشيط وإعادة الاحتلال البريطانية، بالإضافة إلى التكتيك العسكري الذي وضعه مونتجمري وتبنته باقي الفرق، في إنهاء الثورة الوطنية الفلسطينية الكبرى بتعاظم خسائر قواتها، لا سيما في ظل تزايد قوة أحد مكونات المعسكر المضاد لها وهي العصابات الصهيونية، التي تزايد جلبها للعناصر المقاتلة الجديدة خلال أعوام الثورة (من 1936 إلى 1939)، وتطوّر تسليحها بفضل الثروات الصهيونية المتدفقة من أوروبا وبفضل اعتمادها بخصوص التسليح على الاستعمار البريطاني، الذي زوّدها بأسلحة حديثة أكثر تطوراً من السلاح الذي كان يستخدمه الفلسطينيون، ورغم البراعة التي أثبتتها قوى الثورة في نمط "حرب العصابات” في مواجهة العصابات الصهيونية والقوات النظامية البريطانية، إلا أن تكامل الطرفين العدوّين والتنسيق العضوي بينهما، أي جيش نظامي مع عصابات عديدة متنوعة متزايدة الحجم البشري والإمكانات، قد كفل سقوط تلك الثورة وانحسار قواها.
حقائق وأرقام
تعتبر النكبة الفلسطينية محطة سوداء في تاريخ عالمنا العربي والفلسطيني، فمن جهة تم تهجير الشعب وتهويد ارضه وسلب ممتلكاته، ومن جهة أخرى تم تشريده في بقاع العالم؛ لمواجهة كافة معاناة الحياة وبمناسبة ذكرى النكبة التي يتم إحياؤها هذا الشهر، تشكل الأرقام عاملًا مهمًّا في الكشف عن الحقائق، لا سيما وأن نكبة 1948 تمثلت في احتلال ما يزيد على ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية وتدمير 531 تجمعًا سكانيًّا وطرد وتشريد حوالي 85% من السكان الفلسطينيين.
الإحصائيات كثيرة والأرقام مرعبة، تلك التي احتفتظت بها الوكالات والصحف والمراكز الفلسطينية؛ ليبقى التاريخ شاهدًا على أبشع جريمة ارتكبها البشر بأيدٍ صهيونية، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في وقت سابق فإنه تم "تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلًا عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم، رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة الكيان الصهيوني”.
وتشير البيانات الموثقة إلى أن الإسرائيليين سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
وفيما يخص المهجرين والمشردين الفلسطينين حول الأرض، فتوضح الإحصائيات أن حوالي 28.7% من اللاجئين يعيشون في 58 مخيمًا، تتوزع بواقع عشرة مخيمات في الأردن وتسعة مخيمات في سوريا و12 مخيمًا في لبنان و19 مخيمًا في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة.
نكبة متشعبة
رغم مرور 69 عامًا على النكبة الفلسطينية، إلا أن مصطلح النكبة لايزال واقعا يعيشه كل فلسطيني يومًا بعد يوم، فلا تزال أسباب وقوع النكبة موجودة ومستمرة، ويأتي في مقدمتها الانقسام الداخلي، سواء كان في الأفكار أو الرؤى أو المصالح، الأمر الذي جعل معظم الفصائل الفلسطينية تنحي قضيتها المركزية جانبًا، بحثًا عن المزيد من السلطات والمكاسب السياسية، الأمر الذي يستغله الاحتلال كاملًا لتحقيق أهدافه التي يأتي في مقدمتها، تعميق الانقسام وشرذمة الأرض والشعب والمجتمع.
بدأ الانقسام الفلسطيني الداخلي في منتصف عام 2007، إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في قطاع غزة، بعد جولات اقتتال داخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية، وعلى مدار السنوات الماضية، فشلت عدة تفاهمات جرى التوصل إليها بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني "فتح” التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وحركة حماس المسؤولة عن الأوضاع في قطاع غزة، في وضع حد عملي للانقسام الفلسطيني، واستعادة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
الإجراءات والخطوات والتصريحات التي تخرج من قيادات الفصائل الفلسطينية البارزة، تجعلنا نعيش كل يوم نكبة جديدة، تارة تكون نكبة انقسام، وتارة أخرى نكبة تطبيع، لتصبح الأيام نموذجًا مصغرًا ليوم 15 مايو عام 1948، الموافق يوم النكبة الكبرى، لنتأكد أن الأيام تسير بفلسطين من سيئ إلى أسوأ، فقبل أسابيع من حلول الذكرى الـ69 للنكبة، تبادلت حركتي فتح وحماس، اتخاذ مزيد من الإجراءات التي من شأنها تعميق الانقسام.
في إطار اتهام "حماس” للسلطة الفلسطينية بإهمال قطاع غزة، وعدم تحمّل مسؤولياتها تجاه توفير حاجاته، اتخذت الحركة قرارًا بتشكيل لجنة حكومية لإدارة قطاع غزة، تتألف من سبعة أعضاء، ما دفع السلطة الفلسطينية في رام الله إلى اتهام حماس بتشكيل حكومة موازية لحكومة الوفاق التي يقودها رامي الحمد الله، وهو ما نفته حماس مؤكدة أنها لم تشكّل حكومة بديلة لحكومة الوفاق، وما جرى تشكيله لجنة إدارية حكومية فقط وليست حكومة، لتكون ناظمًا لعمل المؤسسات الحكومية.
في المقابل، اتخذت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، مجزرة رواتب في قطاع غزة، حيث تفاجأ عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية بتطبيق وزارة المالية خصومات على رواتبهم المستحقة لشهر أبريل دون سابق إنذار، حيث شملت الخصومات العلاوة الوظيفية بنسبة 40% لجميع موظفي السلطة في قطاع غزة، وعلى الراتب الأساسي بنسبة خصم 30% لبعض الفئات، دون المساس بموظفي الضفة الغربية، وتذرعت السلطة حينها بأزمتها المالية، الأمر الذي أشعل الشارع الغزاوي متهمًا السلطة بالتمييز الممنهج وعدم المساواة.
الخطوة الفتحاوية رغم أنها استهدفت الموظفين في قطاع غزة، إلا أنها استهدفت بشكل أكبر حركة حماس، حيث حاولت سلطات فتح تقليص الأموال الداخلة إلى غزة، الأمر الذي سيؤدي إلى تقويض اقتصادها الهش في الأساس، وتضييق الحصار عليها، ومفاقمة مشكلات القطاع، وبالتالي سيضع حماس المسؤولة عن القطاع في فوهة البركان الشعبي الغزاوي، لتواجه السكان المتضررين من الحصار المتفاقم.
"الخطوات الحاسمة” التي توعد بها الرئيس الفلسطيني في مواجهة حماس خلال تواجده في واشنطن ولقائه مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، لم تتوقف عند مجزرة الرواتب، حيث أصدر عباس السبت الماضي، قرارًا يقضي بإعفاء المواطنين والمكلفين في المحافظات الجنوبية "قطاع غزة” من دفع الضرائب ورسوم الخدمات، مستخدمًا صلاحياته المكفولة دستوريًا بالحق في التشريع في حال غياب المجلس التشريعي، واستثنى القرار ضريبة الدخل على الشركات والأفراد، وعمليات الاستيراد للبضائع من الخارج وعمليات الشراء والبيع بموجب فواتير المقاصة، وضريبة الأملاك المترتبة على المباني المؤجرة للحكومة أو منظمة التحرير ومؤسساتها أو الهيئات العامة أو الأهلية والدولية، ورخص المهن للشركات المرخصة في المحافظات الجنوبية وتمارس عملًا في المحافظات الشمالية التي تعود جميعًا إلى خزانة السلطة الفلسطينية.
قرار أبو مازن الذي جاء ليضرب حركة حماس في مقتل، يهدف إلى مناكفة الحركة سياسيًا وتجفيف مواردها المالية التي تجبيها من خلال فرض الضرائب والرسوم على مليوني فلسطيني في القطاع، الأمر الذي جعل "حماس” تنتفض ضد القرار، معتبرة إياه غير قانونيًا.
حماس.. على نهج فتح تمضي
بالنظر إلى وثيقة حماس الجديدة التي تم نشرها قبل أيام، نجد أنها تتجه قليلًا نحو مسار المفاوضات ونبذ الكفاح المسلح والتنازل عن بعض البنود التي من المفترض أن تكون من الثوابت الوطنية الفلسطينية لمواجهة العدو الصهيوني، حيث تقبل الوثيقة الجديدة لحركة حماس بفكرة الدولة الفلسطينية في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في عام 1967، لكنها ترفض فكرة إقامة دولة إسرائيل، معتبرة إياها "غير شرعية” وتدعو إلى تحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها، وتؤكد الوثيقة على الحق الفلسطيني في كامل أراضي إسرائيل، وحق العودة لجميع اللاجئين، فيما تؤكد على أن حماس لا تحارب اليهود كديانة لكنها تحارب إسرائيل.
الوثيقة الحمساوية الجديدة تذكرنا بوثيقة منظمة التحرير الفلسطينية، التي قدمت سلسلة من التنازلات بداية من موافقتها على إقامة دولة فلسطينية على أي أرض يتم تحريرها من العدو الصهيوني، ثم تطور الأمر إلى الاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي الذي يحصر الحق الفلسطيني في مناطق محتلة عام 1967، لتصل إلى توقيع اتفاقية أوسلو ثم نبذ العنف والكفاح المسلح والاتجاه إلى المفاوضات والاعتراف بإسرائيل، إلى أن صارت تنسق أمنيًا واستخباراتيًا مع الاحتلال.
تشابه الوثيقتين وانسجام وثيقة "حماس” في مواقفها مع المواقف التي اتخذتها منظمة التحرير الفلسطينية قبل عقود، دفع مسؤولين في حركة فتح إلى مطالبة حماس بالاعتذار للحركة على اتهامها بالخيانة، حيث قال المتحدث باسم فتح، أسامة القواسمي، إن وثيقة حماس الجديدة هي وثيقة مطابقة لموقف منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1988، وطالب حماس بالاعتذار لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد ثلاثين عامًا.
بالنظر إلى الإجراءات العقابية التي يتبادلها شطري المجتمع الفلسطيني "فتح وحماس”، التي من المقرر أن تستمر وفق تهديدات الرئيس الفلسطيني، وبالتعمق في وثيقة حماس الجديدة ومقارنتها بمثيلتها في فتح، نجد أن المجتمع الفلسطيني يزداد انقسامًا ويتعمق الانفصال بين شطري الوطن، وأصبح مبدأ البحث عن المكاسب السياسية هو الأساس حتى إن كانت على حساب القضية المركزية والقضاء على كل الآفاق والآمال للخروج من هذا النفق المظلم، الأمر الذي يعني ضياع ما تبقى من الآمال الفلسطينية في مواجهة الخطط الصهيونية الرامية لطمس القضية.
الدور الأمريكي 
منذ الاعلان عن قيام إسرائيل في عام 1948، كان جميع رؤساء الولايات المتحدة تقريبًا يجهلون القصة الحقيقية وراء معاناة الفلسطينيين، رغم صراخ ضحايا النكبة، ولعل الاستثناء الوحيد هو الرئيس جيمي كارتر، فقد فهم ما تعنيه النكبة للفلسطينيين.
وعلى الرغم من نجاح كارتر في عام 1978 في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل بعد مفاوضات شاقة في منتجع  كامب ديفيد، إلا أن محاولاته لحل الأزمة الفلسطينية فشلت إلى حد كبير بسبب تعنت إسرائيل، وبعد عقود من توليه منصبه، وثَّق شكواه في كتابه "فلسطين السلام لا الفصل العنصري”، الذي حمل إسرائيل عدم الوفاء باتفاقات الصفقة، مما أدى إلى قتل الحل الممكن للأزمة الفلسطينية.
دونالد ترامب هو من يقطن في البيت الأبيض الآن وليس جيمي كارتر، ونظرًا لانحياز ترامب الموالي لإسرائيل، يعتقد العديد من الفلسطينيين أن حلمهم في إقامة دولة قد يتحول إلى كابوس، وقد تخلى ترامب عن دعمه للدولة الفلسطينية، وتعهد بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى القدس، المدينة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال منذ عام 1967.
ومع ذلك بالنسبة للفلسطينيين، يظهر قدر من الأمل في أسلوب ترامب "غير التقليدي” في صنع السياسات، وقد ارتفع هذا الأمل بشدة بسبب المحادثات التي جرت الأربعاء الماضي بين ترامب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في البيت الأبيض.
وقال ترامب لعباس إن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة إسرائيل والفلسطينيين على التوصل إلى السلام، وأضاف: لقد سمعت دائمًا أن أصعب صفقة هي الاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دعونا نرى ما إذا كان بإمكاننا إثبات أخطاء السابقين.
وفي فبراير الماضي التقى الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتانياهو في البيت الأبيض، وقال ترامب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض إن واشنطن لن تصر على إقامة دولة فلسطينية في إطار اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مضيفًا: أنا أنظر إلى الدولتين والدولة. بيد أنه حث نتنياهو على وقف عمليات بناء المستوطنات الإسرائيلية بشكل مؤقت في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو المسروقة.
سبب الأزمة الفلسطينية المستمرة منذ سبعة عقود هو الدعم الذي يقدمه الرؤساء الأمريكيون إلى إسرائيل، حيث ليس لديهم أي التزام في كشف الجرائم الإسرائيلية، وبالنسبة لهم، فإن أمن إسرائيل، وقوتها النووية والعسكرية، أكثر أهمية من تطلعات الفلسطينيين إلى السلام والعدالة.
ومع ذلك فإن الفلسطينيين يبقون الأمل على الولايات المتحدة كوسيط للسلام "المخادع”، الذي يسمح لإسرائيل بضم الأجزاء المتبقية من فلسطين، وذلك باستخدام الأساليب الصعبة مع الفلسطينيين، بما يتماشى مع المشروع الصهيوني السري الذي يسعى إلى إقامة إسرائيل الكبرى التي تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق.
وفي الوقت الحاضر لا يملك الفلسطينيون سوى 17% من الأراضي التي كانت 45% بموجب خطة تقسيم الأمم المتحدة في عام 1947، وعلاوة على ذلك، استولت إسرائيل على الكثير من الموارد المائية والأراضي الخصبة، التي كان الفلسطينيون يزرعون بها البرتقال والزيتون ومحاصيل أخرى.
وبدعم من التحيز المؤيد لإسرائيل من قبل إدارة ترامب، أصدرت الدولة الصهيونية سلسلة من القوانين الجديدة التي تضفي الشرعية على الاستيلاء على الأراضي، وتفرض حظرًا على سفر النشطاء الذين يدافعون عن حملة المقاطعة والجزاءات ضد إسرائيل.
لم تصدر إدارة ترامب أي انتقاد لهذه القوانين الإسرائيلية المجحفة، ورغم ذلك يأمل الفلسطينون أن يكون ترامب هو رئيس السلام في فلسطين.
حتى زعيم حماس خالد مشعل دعا هذا الأسبوع ترامب إلى كسر النهج السابق للسلام في الشرق الأوسط، وفي خطوة مفاجئة، اعترفت حماس هذا الأسبوع بأن حدود عام 1967 هي حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، وبالتالي، لأول مرة، اعترفت بشكل غير مباشر بحق إسرائيل في الوجود على الجانب الآخر من حدود 1967، وكانت حماس قد شنت حملة في وقت سابق من أجل إقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1947 قبل التقسيم.
ومع سيطرة سوريا وكوريا الشمالية على جدول الأعمال الدولي، لا تزال القضية الفلسطينية دون معالجة أو اهتمام، حتى الإضراب المستمر عن الطعام الذي قام به أكثر من 1800 سجين سياسي فلسطيني في السجون الإسرائيلية لم يجتذب اهتمامًا عالميًّا كافيًا لإحياء عملية السلام، فالبلدان التي دأبت على الكفاح الفلسطيني من أجل الحرية أصبحت الآن لا تنتقد إسرائيل، في محاولة واضحة لتكون على كتاب ترامب الجيد، فعلى سبيل المثال، امتنعت سريلانكا هذا الأسبوع عن التصويت لصالح قرار مؤيد للفلسطينيين في اليونسكو، وهي المرة الثانية التي تعرض فيها الحكومة إفلاسها الأخلاقي في السياسة الخارجية منذ سنوات عديدة، والأمر الأسوأ هو أن بعض الدول العربية بسبب عدائها تجاه إيران تتعاون مع إسرائيل.
لكن الفلسطينيين يجب ألا يفقدوا الأمل، حيث انتهى النشاط الدولي المتضافر للفصل العنصري في جنوب إفريقيا في عام 1991، بعدما وقع قادة الكمنولث في عام 1977 اتفاق غلينيغلز لإعاقة الاتصال الرياضي مع جنوب إفريقيا، أي بعد 14 عامًا، وبالتالي يمكن العمل على هذا  النشاط المماثل، حيث بدء المقاطعة الرياضية الدولية مع إسرائيل، وربما يمكن يومًا ما تحرير الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي. 

mail logo
 برای لغو عضویت اینجا را کلیک کنید.
info@