] واشنطن و الأزمة الخليجية
الرئیسیة >>  عمومی >> تیتر یک
08 July 2017 - 14:51 : تأريخ النشر
 ، رمز الخبر : 3539

واشنطن و الأزمة الخليجية

ظهر تباين في المواقف الأميركية المتعلقة بأزمة قطع عدد من الدول العربية علاقاتها مع قطر، فقد نقلت رويترز عن مسؤولين أميركيين قولهم اليوم إنهم شعروا بالصدمة من قرار قطع دول خليجية العلاقات مع قطر. في المقابل، غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم قائلا إن دول الخليج قالت إنها ستعتمد نهجا حازما ضد تمويل التطرف، وكل الدلائل تشير إلى قطر. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين قولهم إن واشنطن ستحاول بهدوء تخفيف حدة التوتر الحاصل نظرا لأهمية قطر بالنسبة للمصالح العسكرية والدبلوماسية الأميركية.
تنهي الأزمة القطرية-الخليجية شهرها الأول دون أي أفق للتصعيد أو الحل. الموقف الأميركي –الأهم- أكتفى بكبح جماح الرياض وأبوظبي لأخذ الخلاف الخليجي-الخليجي لمرحلة التصعيد العسكري، لكن لم يمنح قطر طوق النجاة المرجو مقابل صفقات عسكرية باكورتها طائرات إف 15 قيمتها تقارب 12 مليار دولار، فاكتفت واشنطن برسم خطوط حمراء لحلفائها في هذه الأزمة الغير منفصلة عن ترتيبات إقليمية شاملة تتداخل فيها مفاعيل القوى الإقليمية والدولية، عنوانها العريض حتى الأن "صفقة القرن”، غير أن ملامح هذه الصفقة بخلاف جزيرتا تيران وصنافير وتنازل مصر عنهم للسعودية، التي بدورها تعجل بتطبيع علاقاتها بشكل علني بإسرائيل، لم تشير إلى حدودها ومدى تأثيرها على مستقبل الأزمات المزمنة مثل القضية لفلسطينية، أو الطارئة التي نشأت بفعل تقليص واشنطن لمركزية دورها المباشر في المنطقة، مثل حرب اليمن والحرب في سوريا والعراق، ومستمرة على نحو سلبي بالنسبة لواشنطن وحلفائها بسبب تضارب أولوياتهم وفقدان الثقة على مدار العاميين الماضيين بين دول "الاعتدال”، والذين فيما يبدو حتى كتابة هذه السطور لم تكفي تصريحات ترامب في قمم الرياض وما تلاها في توحيد بوصلتهم وأولوياتهم، حتى وإن راعوا فيها اتساقها مع الأولويات الأميركية والحفاظ على مبدأ ترامب "الإدارة الغير مباشرة اللامركزية”، والدليل على هذا جاء في الوثيقة التي سُربتها الدوحة مؤخراً، معلنة بذلك رفضها، والتي تضمنت 13 شرطاً لإنهاء الأزمة الخليجية.
بالنظر إلى شروط الوثيقة المُسربة نجد أنها خرجت بصيغة "الاستسلام الغير مشروط”، وكأنها إملاءات لا تقبل التفاوض أو المساومة بعد "معركة” خسرتها قطر، والتي بدورها وجدت نفسها بين خيارين كل منهما يؤدي لنتيجة واحدة؛ فسواء وافقت الدوحة على شروط الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة، فإن ذلك يعني تقلص دورها في الخليج والمنطقة لحدود التبعية لقرار السعودية والإمارات، وإذا لم توافق فإنها ستستمر في مقاومة الحصار ومحاولة إيجاد ثغرات في مصداقية أسبابه عند الأربعة دول، تجعل الموافقة على شروط أخف وطأة مستقبلاً كخيار أسوأ وحيد أفضل من أن تقبل بشروط الوثيقة سابقة الذكر، خاصة وأن هذه الشروط مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً عضوياً وغير ممكن تحقيق أحدها دون الأخر، وهو ما يفقد الدوحة ميزة التفاوض، والأخطر والأهم هو ربط هذه الشروط بحدود دور أميركي في حل الأزمة الراهنة، أو حتى أي دور مستقبلي في تنظيم العلاقات بين دول مجلس التعاون، والتي قامت على أساس الإشراف الأميركي وتحت وصايته، وهو الأمر الذي خلف تضارب بين مؤسسات أميركية مثل الخارجية والدفاع، وبين البيت الأبيض تجاه الأزمة الخليجية.
إزاء هذا الجمود في إنهاء الأزمة الخليجية عبر وساطات عُمانية وكويتية، وتقارب في المواقف بين طهران وأنقرة تجاه الأزمة الخليجية، عوَلت الدوحة على تغيير الموقف الإقليمي والدولي لصالحها، أو بالحد الأدنى حلحلة الأزمة وإضعاف سردية الأربعة دول الذين عولوا في بداية الأزمة على موقف أميركي صلب تجاه قطر، وهو ما تغير بعد حوالي أسبوعين بفعل صفقات السلاح ورد الفعل الإعلامي في المنطقة وخارجها الذي أبرز أن موقف الدول الأربعة مجرد تفريغ عصبي دون فعل سياسي تأخر 3 أسابيع حتى ظهرت قائمة الشروط ال13 التي هي في واقع الأمر إملاء شروط منتصر على مهزوم، ولكن دون حدوث معركة، ناهيك عن رهان قطر وتركيا من ورائها على اتساع التباين بين الرياض وأبوظبي أو بين الرياض والقاهرة وهو إن حدث تضمن حدود تأثيره الدُنيا على الأزمة القطرية أن تعود الرياض إلى مربع التحالف المؤقت منذ 2015 وحتى 2017 مع أنقرة والدوحة واستئناف مفاعيله في اليمن وسوريا، خاصة وأن المحرك الرئيسي للسياسات السعودية الخارجية وهو الصراع الداخلي على العرش بعد الملك سلمان قد حُسم لصالح محمد بن سلمان، مع بقاء الأسباب التي دفعت الرياض في 2015 للتحالف مع تركيا وقطر ضد إيران على حساب تحالفها مع القاهرة وأبوظبي مازالت قائمة، أو بالأحرى لا تزال فرص إنهائها غير مضمونة وخاصة على الجانب الأميركي، حيث أن الضمانة الأميركية الوحيدة للسعودية هي شخص ترامب وليس على نحو مؤسسي. ناهيك عن التقارب بين تركيا وإيران الذي إذا تحول لتحالف سياسي سيعني خسارة السعودية لكل ما تبقى لها من إمكانية للنفوذ الإقليمي عبر تحالفها مع إسرائيل –التي إذا شنت حرب جديدة تضعف فرص التسوية الشاملة المفترضة- ومركزية وكالة كل منهما للسياسات الأميركية.. أي أن العامل الحاسم في استمرار او حل الأزمة الخليجية أو حتى بقائها دون حل رهن للموقف الأميركي.
إزاء هذا المشهد المعقد، طرح المحلل والباحث المختص بالشأن السعودي، مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، توصيات حول مستقبل تعاطي واشنطن مع الأزمة الخليجية وخاصة بعد الإفصاح عن وثيقة الشروط سابقة الذكر، مطالباً واشنطن في تعقيب له نُشر على موقع المعهد بأن تمارس ضغطاً متساوياً على كافة حلفائها في الخليج من أجل حلحلة الأزمة الراهنة قبل أن تتطور إلى أفق تجعل حلها في المستقبل بفعل عامل التقارب التركي-الإيراني يتضارب مع المصالح الأميركية في المنطقة. وفيما يلي نص تعقيب هاندرسون:
يبدو أن القائمة التي تضم ثلاثة عشر مطلباً والتي يتوجّب على قطر الإجابة عليها خلال عشرة أيام تعكس رغبات طال أمدها من قبل الرياض وأبو ظبي، لكن الدوحة رفضتها على الرغم من أنه لم يتم الإعلان عنها حتى وقت قريب جداً. بيد، من الصعب فهم الكيفية التي تمت بموجبها صياغة هذه القائمة التي تهدف إلى التوصل إلى حل بدلاً من تقويض كامل للدبلوماسية. ويبدو أن هناك القليل الذي تستطيع أن تفعله الدوحة لحفظ ماء الوجه. ولعل القائمة تعكس افتتاحية لسيل من المطالب تهدف إلى إجراء مفاوضات سريعة، ولكن الشرط الأساسي للاتفاق على جميع النقاط يشير إلى خلاف ذلك.
ولا تعبّر القائمة في الكثير من كلماتها عن دعوة لتغيير النظام في قطر، بل إلى تغيير السياسات. ومع ذلك، فمن المرجح أن تنظر إليها الدوحة على أنها وسيلة ضغط لخلع الأمير تميم بن حمد آل ثاني ووالده حمد بن خليفة، المعروف باسم "الأمير الوالد” وما زال يُنظر إليه، وخاصة من قبل دولة الإمارات، على أنه القوة الدافعة وراء العرش منذ تنازله في عام 2013.
ومن السهل شرح الدور البارز في المواجھة التي تقوم بها أربعة بلدان – السعودیة والإمارات ومصر والبحرین. فالغضب السعودي على قطر – التي تمنحها احتياطاتها الضخمة من الغاز استقلالاً مالياً عن المملكة – كان قائماً منذ فترة طويلة، بينما استاءت دولة الإمارات من الدعم الذي قدمته قطر إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تآمر أعضاؤها على الأسرة الحاكمة في أبوظبي – الإمارة الرائدة في الاتحاد. كما أطاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظام «الإخوان المسلمين»، الذي بقي في السلطة لمدة عامين، ويرجع ذلك إلى حد كبير بسبب دعمه مالياً من قبل قطر. أما البحرين فقد كان لها تاريخ من النزاعات على الأراضي مع قطر – وبينما تم حل هذه الخلافات في عام 1994، إلا أن الحقد ما زال مستمراً، بتشجيع من الرياض.
ولعل الأمر الغير مناسب لواشنطن، أن هذه المطالب تقصد ربط الولايات المتحدة بالأزمة، وهو الموقف الذي تفاقم بفعل رسائل متضاربة من البيت الأبيض، ووزارتا الدفاع والخارجية الأمريكيتان، وقد لا يؤدي سوى إلى تعقيد حل الأزمة. وهذه الصيغة لا تمنح واشنطن دوراً واضحاً في أي دبلوماسية، كما أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون كان قد قال في وقت سابق أن المطالب يجب أن تكون "معقولة وقابلة للتنفيذ”.
ومما يبعث على القلق أيضاً هو الدور الواضح الذي قام به ولي العهد السعودي – الذي تمت ترقيته حديثاً – محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان يُنظر إليه حتى الآن على أنه تأثير مقيد على تهوُّر محمد بن سلمان، والذي أظهره التدخل العسكري في اليمن – وتسببت إحدى نتائجه الجانبية إنشاء ملاذات آمنة لتنظيم «القاعدة».
وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت الرياض وأبو ظبي ستفقدان دعم الرأي العام الدولي حول طبيعة المطالب. فبينما اكتسبت قناة "الجزيرة” سمعة راسخة كخدمة إعلامية مثيرة للشغب تبث أخبار صحفية متدنية، فقد تفكر بعض الدول بأن إنهاء الدعم السعودي للمدارس الدينية في جميع أنحاء العالم – مهما كانت وسائل الإعلام القطرية غير مفيدة – يمكن أن يكون إضافة مفيدة لأي دبلوماسية.
تباين المواقف 
ظهر تباين في المواقف الأميركية المتعلقة بأزمة قطع عدد من الدول العربية علاقاتها مع قطر، فقد نقلت رويترز عن مسؤولين أميركيين قولهم اليوم إنهم شعروا بالصدمة من قرار قطع دول خليجية العلاقات مع قطر. في المقابل، غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم قائلا إن دول الخليج قالت إنها ستعتمد نهجا حازما ضد تمويل التطرف، وكل الدلائل تشير إلى قطر.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين قولهم إن واشنطن ستحاول بهدوء تخفيف حدة التوتر الحاصل نظرا لأهمية قطر بالنسبة للمصالح العسكرية والدبلوماسية الأميركية.
 وأوضح هؤلاء المسؤولون أنه لا يمكنهم تحديد السبب الذي دفع الدول الأربع لاتخاذ قرار قطع العلاقات. وأضافوا أن الإدارة الأميركية لا تريد أن ترى شقاقا ممتدا يحدث، وأنها سترسل مبعوثا إذا اجتمعت دول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة الخلاف مع قطر. في المقابل، غرد الرئيس الأميركي عبر حسابه في تويتر بأنه حذر خلال زيارته للشرق الأوسط التي شملت السعودية وإسرائيل من تمويل الفكر المتطرف، وأن قادة في المنطقة أشاروا إلى قطر.
 وكان البيت الأبيض أكد في وقت سابق التزام الرئيس ترمب بمواصلة التباحث مع جميع الأطراف المعنية من أجل خفض التوتر بين دول الخليج، وقالت سارة هاكابي ساندرز نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض -خلال الإيجاز الصحفي اليومي- إن الولايات المتحدة ستستمر في العمل مع شركائها هناك لهذا الغرض.

من جهته، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر إن بلاده تولي اهتماما كبيرا للتطورات في منطقة الخليج، وأضاف أن للولايات المتحدة قاعدة عسكرية كبيرة في قطر، وهي تعد من الأصول الإستراتيجية للولايات المتحدة.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قالت إن واشنطن ممتنة لقطر لدعمها الراسخ منذ فترة طويلة للوجود العسكري للولايات المتحدة، والتزامها المستمر إزاء الأمن الإقليمي في المنطقة.
ادفع تسلم 
كانت البهجة واضحة في نبرة صوت المذيعة في قناة الجزيرة وهي تعرض للخبر العاجل عن توافق قطر والولايات المتحدة على السير بإجراءات صفقة طائرات بتكلفة اثني عشر مليار دولار. اعتبرت القناة الاتفاق انتصارا على الحصار والمقاطعة التي تتعرض لها الإمارة الخليجية من قبل جاراتها: السعودية والإمارات والبحرين، إضافة لدول أخرى خارج نطاق مجلس التعاون. الخارجية الأميركية من جهتها اعتبرت الصفقة مهمة في إطار تعزيز أمن المنطقة، الأمن الذي كانت قد اعتبرت قطر أحد أسباب زعزعته بعد ربطها بتمويل الإرهاب.
في الواقع لم يكف ترامب منذ ترشحه عن إدهاش الرأي العام الأميركي بمواقف مشابهة تبدو في ظاهرها متناقضة وصادمة للطريقة التي جرت المؤسسة السياسية الأميركية عليها في إدارة علاقات البلاد الخارجية. بدا ذلك جليا خلال زيارته للرياض، التي اتهمها سابقا بدعم الإرهاب أيضا، ثم وقع عقود تسلح مشابهة معها بقيمة تجاوزت 100 مليار دولار.
صحيح أن الصفقة التي يبلغ إجماليها نحو 20 مليار دولار أقرت من الكونغرس والحكومة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما العام الماضي، لكن الإعلان عن السير بإتمامها الآن جعل الحديث عن طبيعة الموقف الأميركي من مجمل الخليج موضوعا محيّرًا على الأقل بالنسبة للشارع الأميركي. فهل على حكومة البلاد محاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله أم التعاون مع الدول المتهمة بتمويله بل وتسليحها؟ وكيف يتفق أن تروج الولايات المتحدة لحقوق الإنسان ثم تعقد اتفاقات مليارية مع مثل هذه الدول؟
من المرجح أن حصار قطر جاء بضوء أخضر أميركي. طبعًا، التحليلات التي سعت لفهم الأسباب المباشرة وغير المباشرة لاندلاع الخلاف الخليجي تحمل قدرًا كبيًرا من الوجاهة، سواء منها ما تعلق بالحديث عن دعم قطر للجماعات الإرهابية أو إلى دور قناة الجزيرة التي تسببت في أزمات خليجية متعددة منذ تأسيسها أواسط التسعينات إلى علاقات الدوحة بطهران، لكن يبدو أن الوضع ما كان ليتفاقم على هذا النحو دون دعم واشنطن. فقرار المقاطعة جاء مباشرة عقب انتهاء زيارة الرئيس الأميركي للرياض والتي تلقى خلالها نحو نصف تريليون دولار على شكل مذكرات تفاهم تجارية. لم يمضِ وقت طويل عقب عودة ترامب للولايات المتحدة وانطلاق الخلاف الخليجي، حتى خرج الرئيس الأمريكي بتصريح عبر تويتر طرح كثيرا من الأسئلة أكثر مما قدم من إجابات حول الموقف من الأزمة الخليجية: «خلال زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط، قلت أنه لن يكون هناك مزيد من تمويل الإرهاب. فأشار الزعماء إلى قطر وقالوا: أنظر».
لم يكن واضحًا ما الذي يعنيه هذا التعليق، فهل يعني أن الولايات المتحدة دعمت القرار الخليجي باتجاه معاقبة قطر لدورها المزعوم في دعم الإرهاب وأنها سائرة في معاقبة الإمارة الخليجية الغنية بالغاز؟ لاحقا أخذت تصريحات ترامب تبدو أكثر مباشرة ووضوحًا. في تغريدة على تويتر قال إن قطر كانت تمول الإرهاب «على أعلى مستوى». كان ذلك اتهامًا مباشرًا وصريحًا يوضح الكيفية التي تنظر بها الإدارة الأميركية للإمارة الخليجية. لاحقا سيتبيّن أن الأمر ككل يتعلق بسياسة جديدة للولايات المتحدة في الخليج عنوانها، كما تعهد ترامب أثناء حملته الانتخابية: ادفع تسلم. سياسة لا تعترف بالمحدّدات الأخلاقية للسياسة الأميركية ولا تعبأ كثيرًا بمداراة حالة النفاق التي يمارسها الساسة الأميركيون في التعامل مع العالم العربي، طالما كان المال حاضرًا.
بالعودة قليلًا للوراء، لرصد الطريقة التي ينظر بها ترامب لدول الخليج منذ فترة الانتخابات وحتى الآن، سيبدو أن ما تصوره الصحافة الأميركية تخبطًا ليس سوى سياسة متناغمة تصدر عن عقل واحد مدرك لما يفعله. فسياسة الرئيس الحالية في المنطقة تنسجم تمامًا مع تصوره المعلن عنها بوصفها مصدرًا للحصول على المال لدعم اقتصاد بلاده. قبل أقل من شهر على زيارته للسعودية، مثلًا، تذمر ترامب في مقابلة مع رويترز من «معاملة السعودية غير العادلة» للولايات المتحدة وعدم دفعها المال الكافي لقاء حمايتها . كان التصريح أشبه بإنذار أخير قبل الزيارة. كانت تصريحاته تلك تأكيدًا لنظرته التي أعلنها سابقا خلال الحملة الانتخابية حول العلاقات مع الدول النفطية، «لا أحد يمكن ان يعبث مع السعودية لأن الجميع يعرف اننا نحميها»، قال ترامب في إحدى لقاءاته الانتخابية. بل إن الأمر يعود إلى ما قبل الانتخابات ككل. ففي مقابلة مع أوبرا وينفري قبل نحو ثلاثين عامًا، جادل ترامب بضرورة إجبار دول الخليج على دفع المال مقابل الحماية.
هذه اللهجة لم تلبث أن تغيرت لاحقًا خلال الزيارة إلى الرياض، حيث بدا ترامب مرتاحا للصديق السعودي ولم يشر من قريب أو بعيد لملف الإرهاب. بدا الأمر بديهيًا خصوصًا بعد الإعلان على تفاهم البلدين على عقود تجارية بقيمة بلغت نحو نصف تريليون دولار، سيروّج لها ترامب بوصفها دليلًا على حصافته السياسية وقدرته على إنعاش اقتصاد البلاد. لكننا لاحظنا أيضا كيف لم نسمع كثيرًا عن الجارة القطرية خلال تلك الزيارة. سمعنا عن دعم بنحو مئة مليون دولار من الإمارات لصندوق تمكين المرأة الذي أسسته ابنة الرئيس ومستشارته إيفانكا، بالتعاون مع البنك الدولي. لكننا لم نلحظ أي إعلانات عن صفقات مشابهة مع الدوحة.
لم يمض وقت طويل على انتقادات ترامب لقطر، حتى دخلت المؤسسة العسكرية سريعًا على خط الأزمة لتستدرك بالتشديد على أهمية الدوحة كحليف داعم لواشنطن في المنطقة. ففي العيديد، على أطراف الدوحة، تتواجد القيادة الوسطى للقوات الأميركية التي كان لها دور أساسي في الحرب على العراق عام 2003، ويوجد فيها الآن نحو أحد عشر ألف جندي أميركي ، ولا تزال مركز العمليات الرئيسية في العراق وأفغانستان. عقب ذلك، جاءت تصريحات وزير الخارجية ريك تيليرسون التي أبدى فيها تعاطفه مع قطر مشددًا على رغبة الولايات المتحدة بحل الأزمة ومشيرًا لعدم جواز الحصار خلال رمضان.
طبعًا بالنظر لحال الانقسام السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة، شكلت تلك التصريحات التي بدت متضاربة فرصة لوسائل الإعلام الرئيسة لانتقاد ما اعتبرته تخبط الإدارة الأميركية وعدم قدرتها على اتخاذ موقف موحد تجاه أزمة في منطقة على هذا القدر من الحساسية السياسية والاستراتيجية. لكن بالإمكان رؤية الأمر من زاوية أخرى تمامًا.
فنتائج زيارة ترامب للسعودية تعكس ما آمن به ودافع عنه وانتقد الساسة الأميركيين لتجاهله طوال الوقت: المال مقابل الأمن. أما تصريحات مستشاريه ومساعديه ووزراء حكومته فلا يبدو أنها جاءت اعتباطية أو خارج سياق سياسة الإدارة ككل. ربما عمد البيت الأبيض لتقسيم الأدوار بين تصعيد وتهدئة. الهدف النهائي كان واحدًا على ما يبدو، وهو أن تشعر الدوحة بأن الباب لا يزال مواربًا لإصلاح الموقف، أو على الأقل ضمان أن لا يتطور إلى ما هو أسوأ. ويبدو أن الرسالة قد وصلت بالفعل.
ها هي قطر تتقدم بحصتها التي عليها دفعها مقابل الغطاء الأميركي. لم تنسَ الدوحة أيضا أن تشير إلى أهمية الاتفاق باعتباره دليلا على تواصل دعم واشنطن لها، إشارة من المرجح أن تلقى صدى لدى دول الخليج الأخرى التي ربما بدا لها أن قطر ستدخل عصر عزلة غير مسبوق بمباركة الإدارة الأميركية الجديدة، وهو ما يبدو الآن أمرًا بعيد المنال.
ما هي أسباب مماطلة؟ 
قد يكون للاتصال الهاتفي الذي أجراه دونالد ترامب مع القاهرة، أثر في تأجيل التصعيد ضد قطر على الرغم من أن دول الحصار سرّبت جملة من الإجراءات فور استلامها رد الدوحة على المطالب. 
هذا الرد وصفه اجتماع القاهرة بأنه ردٌ سلبي يدلّ "على تهاون وعدم جدّية التعاطي مع جذور المشكلة". فالرئيس الأميركي طالب بتفاوض "بشكل بنّاء"، بينما طالب وزير خارجيته ريكس تيلرسون بوقف التصعيد واتصل بأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح مجدداً دعم واشنطن لمساعي الكويت في حل الأزمة.
اللافت أن وزراء الخارجية الذين تناوبوا على تعداد الاتهامات الموجهة ضد قطر، لم يذكروا شيئاً بشأن الخطوات التي ستلي رد الدوحة السلبي. ولم يرشح عن اجتماع مدراء الاستخبارات الموازي لاجتماع وزراء الخارجية ما يفيد بجدول أعمال المرحلة المقبلة. فما تعهّد به الوزراء هو ما يسمح به القانون الدولي بحسب البيان الختامي. وفي المقابل يعِد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، "بألاّ تمتثل قطر لأي مطلب مخالف للقانون الدولي".
ولا ريب أن مكاتب المحاماة الدولية في جنيف وأوروبا وأميركا، تنكّب على دراسة تحركات قانونية وعلى تشكيل تكتلات ضغط لمصلحة هذا الطرف أو ذاك مقابل أرباح مجزية. لكن "جذور الأزمة" ليست خلافاً على تفسير القانون الدولي، وما يأخذه الطرفان على هذا المحمل يشير إلى أن الأزمة ستكون طويلة بحسب تعبير وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش الذي يعتقد بأن قطر أمام خيارين هما نبذ الإرهاب أو العزلة. وقد يكون في ظنّه أن قطر سترضح للمطالب بطريقة تحفظ ماء الوجه، وهو ما عبّر عنه أحد الكتّاب السعوديين من الدائرة الضيّقة في مقاله بعنوان "الدوحة ستتنازل في الظلام".
ولا ريب أن هذا التفاؤل المفرط بانصياع قطر للمطالب التي وصفها الرئيس التركي بأنها تعجيزية وغير مقبولة، يستند إلى اعتقاد راسخ بأن الرئيس الأميركي سيقول كلمته الأخيرة بهذا المعنى.
لعلّ ما يوضّح أهم جوانب الأزمة الخليجية، هو ما ورد في البيان الختامي بدعوة قطر إلى "الالتزام بمخرجات القمة العربية - الإسلامية – الأميركية" المعروفة بقمة الرياض. وهي الحدث الذي تحوّلت على إثره العلاقة الأميركية - السعودية من حالها التقليدي إلى حال افتراضي، وتفجّرت الأزمة الخليجية بين طياتها.
فالمسار الذي رسمته القمة يفترض أن تسير دول الخليج ( الفارسي ) على سكة رجل واحد باتجاه تسعير العداء لإيران على أساس "مكافحة الإرهاب"، وإرساء "ناتو" عربي مع "إسرائيل" يفتح الباب أمام حل "النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي" فيما يسمى صفقة القرن أو ما شابه.
ويفترض هذا المسار انضواء قطر في حروفه ونقاطه تحت العباءة السعودية - الإماراتية، مدخلاً لانضواء سلطنة عمان والكويت في خطوة تالية.
لكن قطر حليف واشنطن تشبّ عن الطوق بطموحها مع تركيا وحركة الإخوان المسلمين، إلى ما يسميه موقع "بلومبيرغ" المدعوم من الدوحة بخط ثالث إلى جانب محور السعودية ومحور إيران. فشركة "فيرسك مابلكروت" البريطانية المدعومة هي الأخرى من قطر، ترى على لسان أنطوني سكنير أن قطر تبني صرحاً يتجاوز المشيخة التي كانت تنصاع للسعودية حين كانت تهددها بغزو أو انقلاب، وأن ما تطلبه السعودية من قطر هو أن تقوم بأيديها في سجن نفسها بالقفص الذي تحررت منه.
في هذا السياق يدعم ترامب السعودية في المسار السياسي الذي رسمه "للناتو" العربي في الرياض، وفي الوقت نفسه يفضّل احتواء الحليفين لاستنزاف ثرواتهما ولاسيما الصناديق السيادية السائلة، ولاستنزاف السعودية تحديداً لمنعها من تكون القوة الوحيدة في الخليج ( الفارسي ) والقوة المؤثرة في المنطقة. ففي جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية الأميركية، سأل النائب الديمقراطي خواكين كاسترو المندوبة الأميركية نيكي هايلي عن هذا التضارب في الموقف الأميركي الذي يبدو "برأسين على الأقل" بحسب وصفه. وأجابت هايلي المقرّبة من ترامب وعائلته بأن الأزمة الخليجية هي فرصة مؤاتية للضغط على الجانبين.
وما يعلنه وزير الخارجية الأميركية بشأن جولته المقبلة على دول الأزمة، قد لا يتعدّى هذا السياق على الرغم من أن تيلرسون يحاول السعي إلى أن تفك واشنطن عقدة الأزمة خشية تدحرج قطر من المراهنة على خط ثالث إلى مزيد من التقاطعات مع محور إيران في سوريا واليمن والعراق. ولا يبدو أن ترامب تخالجه هذه الخشية، كما أن قطر لا تلوّح بورقة هي بمثابة سلاح للدفاع عن النفس.
ما هي الخيارات؟
نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" الأمريكي، ورقة بحثية، أوضح خلالها أنه مع تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين قطر والدول الخليجية، يكمن التحدي الرئيسي في تحديد أفضل نهج قد تتبعه واشنطن في دور الدوحة المعقد كشريك وصفه بـ"الأمني" للولايات المتحدة، حيث أشار إلى أنه على المسؤولين الأمريكيين اتباع أربعة مبادئ توجيهية عامة لحل الأزمة.
وتلخصت هذه المبادئ على تركيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية على تقييد الدعم القطري للجهات الفاعلة الإقليمية الخطرة، حيث أثارت بعض سياسات الدوحة مخاوف كبيرة لدى واشنطن على مدى سنوات، لذا يتعين على الإدارة الأمريكية أن تستغل الأزمة الراهنة كفرصة للحصول على المزيد من المشاركة الفعّالة حيالها.
ويعني ذلك البحث مع الدوحة وأبوظبي والرياض في الخطوات المحددة التي يمكن أن تتخذها قطر لوقف الدعم للجهات الفاعلة المتطرفة أو كبحه، وإدراك أن بعض الأمور لن تتغير وأنه لا بأس بذلك، والأخذ في عين الاعتبار أن النتيجة الأفضل هي التوصل إلى قطر أكثر اعتدالاً، وليس قطر غير مستقرة. 
- قاعدة العديد الجوية
تُشكل "قاعدة العديد الجوية" الضخمة في الوقت الحالي جزءًا أساسيًا من قدرة الولايات المتحدة على نشر قوة عسكرية في المنطقة، وقد تم استخدامها بشكلِ كبير خلال الحملات على العراق وأفغانستان، وهي اليوم مركز قيادة العمليات ضد تنظيم "داعش"، وتضم هذه القاعدة مدرجاً طويلاً قادراً على تحمل أكبر القاذفات، فضلاً عن "مركز العمليات الجوية المشتركة" المحصن.
وتؤمّن حاملات الطائرات الأمريكية تقليدياً "أربعة فدادين ونصف من الأراضي السيادية الأمريكية" بمنأى عن القيود الأجنبية، بيد أن القوات البحرية تركّز حالياً على مواجهة التهديد من كوريا الشمالية، وحتى لدى العمل في الخليج، تعتمد أي حاملة طائرات مكلفة بضرب أهداف في العراق أو سوريا على إعادة التزود بالوقود أثناء الطيران تؤمنها الناقلات في القواعد الساحلية مثل "قاعدتَي العديد والظفرة".
وباختصار، في حين أنّ الجيش الأمريكي قد يكون قادرًا على التخلي عن "قاعدة العديد" في حالة الضرورة القصوى، إلا أن هذا ليس خيارا جيدا على المدى القريب.
- في مجال الطاقة
على الرغم من صغر عدد سكان قطر، إلا أنها تتمتع بنفوذ إقليمي كبير نظرًا لمواردها الضخمة من الغاز الطبيعي، فهي تملك ثالث أكبر احتياطي غاز في العالم (بعد إيران وروسيا)، وكونها المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال فلا تنافسها في ذلك سوى أستراليا.
ويمتد عملاء الدوحة من بريطانيا إلى اليابان، كما أنها عضو في "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) على الرغم من إنتاجها القليل نسبيا من النفط.
ويمكن إيجاد معظم الغاز القطري قبالة الساحل في حقل الشمال الذي يقع تحت مياه الخليج وهو متاخم لحقل فارس الجنوبي الأقل تطورا في إيران، بيد أن الدوحة تفتقر إلى جيش كبير، وبالتالي فإن مرافقها البحرية ومحطة رأس لفان الضخمة للغاز الطبيعي المسال غير محمية إلى حدّ كبير. 
ومن الضروري أن يعكس موقف الولايات المتحدة بشأن حقوق الغاز في قطر التزامها الثابت بضمان حرية مرور إمدادات النفط دوليا، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على واشنطن أن تحاول تحسين علاقات الطاقة داخل دول "مجلس التعاون الخليجي". 
- سجل قطر المتباين في محاربة الإرهاب 
لدى دول "مجلس التعاون الخليجي" مجموعة متنوعة من الشكاوى حول الدوحة، ولكن أبرزها استمرار الدعم القطري للجماعات الإسلامية المتطرفة في المنطقة بما في ذلك تمويل تنظيم "القاعدة" وجهات فاعلة مماثلة.
وعلى الرغم من أن واشنطن خصت قطر بالذكر في عام 2014 باعتبارها "سلطة متساهلة في تمويل الإرهاب"، إلا أن المسؤولين الأمريكيين أثنوا مؤخرا على الدوحة بصورة متواضعة، بيد لم تُتخذ هذه الإجراءات سوى لمرة واحدة فقط استجابة للضغوط الأمريكية الكبيرة.
ولم تتخذ قطر حتى الآن القرار الاستراتيجي بالتصدي لتمويل الإرهاب بشكلٍ علني كمسألة سياسية، وقد ثبُت أن بعض إجراءاتها المعروفة هي تدابير غير مُكتملة، وتعكس هذه العقلية أيضاً سياسة الدوحة الأوسع المتمثلة في دعم جماعات مثل حركة "حماس" و"طالبان" وتنظيم "القاعدة في سوريا".

mail logo
 برای لغو عضویت اینجا را کلیک کنید.
info@