] عدم الاهتمام بمسيرة العودة.. من الإعلام الغربي الی الإعلام العربي؟
الرئیسیة >>  عمومی >> تیتر یک
15 April 2018 - 17:28 : تأريخ النشر
 ، رمز الخبر : 5378

عدم الاهتمام بمسيرة العودة.. من الإعلام الغربي الی الإعلام العربي؟

قدم الإعلام الصهيوني فلسطين للغرب على أنها "أرض بلا شعب"، وأن الله أعطاهم هذه الأرض، وأنهم أحق بها من أي شعب آخر، وأخرجوا لتحقيق ذلك كلّ سهامهم، وأبرزها سلاح الدين ليتهموا المنكرين والمشككين بمعاداة السامية كما حصل مع المفكر الفرنسي، روجيه جارودي، الذي أنكر وفند كثيرا من أكاذيب اليهود، خصوصا في المحرقة النازية التي يدّعون تعرّضهم لها في ألمانيا، وذلك في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية"، وكما حدث مع المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي الذي يعارض السياسة الأميركية وارتهانها لليهود.
ماذا تقول الاعلام الغربی؟
وبالعودة إلى مسيرة العودة في عيون الإعلام الغربي، لو تجوّلنا في الصحف الغربية، ونظرنا كيف تناولت مسيرة العودة السلمية، نجد أنّ أغلبها تتبنى الرواية الصهيونية جملة وتفصيلاً، مثل صحيفة نيويورك تايمز وبي بي سي، وهي معاقل الليبراليّة الغربيّة الإعلاميّة، إذ اختارت هذه المنصات الإعلامية مصطلحات وكلمات غير دقيقة لوصف ما حدث بالفعل، وتجنبت في أسلوب تغطيتها إظهار الاعتداءات الإسرائيليّة على المسيرات التي وصفتها بالمواجهات التي اندلعت بعد رمي الفلسطينيين الحجارة، ومحاولة اجتياز الحدود، وترجيح كفّة التغطية لصالح الرواية الإسرائيليّة.
وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركيّة على سبيل المثال، ما جرى يوم الجمعة في ذكرى يوم الأرض بالصدام/ المواجهة، وفي أخبار لاحقة بـ"اشتعال الحدود" و"جمعة العنف"، من دون الإشارة إلى أن العنف الذي استعمل كان لقمع المسيرة السلميّة، موهمة القارئ أنّ العنف من الطرفين. وادّعت الصحيفة أنّ العنف اندلع بسبب استعمال مجموعات فلسطينيّة صغيرة العنف عند الحدود في أثناء المسيرة، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد، وهو متناسق تمامًا مع الادعاء الإسرائيلي، من دون الإشارة إلى أنّ قادة إسرائيليّين صرّحوا مراتٍ قبل المسيرة وهددوا باستعمال القوّة لقمع المسيرة.
بينما تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن أحداث يوم الجمعة الماضي: ما الذي حصل عند حدود غزّة إسرائيل؟ وأجابت بـ: "مواجهات خلّفت 16 قتيلًا فلسطينيًا ومئات الجرحى". وكان السطر الأول في الإجابة نقلاً عن ادّعاءات الجيش الإسرائيلي، التي أخذت معظم المساحة المخصصة للإجابة على التساؤل، وغاب أيّ تصريح أو مقابلة لشخصيّة فلسطينيّة للإجابة بشأن ما حصل، واكتفت "بي بي سي" في تغطيتها هذه بنقل تصريحات عن حركة حماس من دون نقل أي صوت من المنظمين أو المشاركين في المسيرة. وهناك صحف ذكرت أن هؤلاء يدعون ويزعمون بأن لهم أرضا في إسرائيل!. وصحف ذكرت إن هذا الخروج بسبب الحصار وليس بسبب العودة، ويلقون اللوم فقط على الرئيس محمود عباس والسلطة سببا لهذا الحصار وليس على إسرائيل.
يبقى التأكيد أنّه على الرغم من قلة عدد اليهود في العالم، وخصوصا اليهود الذين يدعمون إسرائيل، لا يمكن إنكار جهد الداعمين لإسرائيل في خدمة مشروعهم الصهيوني، وهنا نتساءل: هل نجح هؤلاء بإقناع بعضهم بأن الذين أنزل عليهم الكتاب بالحق هم إرهابيون؟ وهل تجاوب الضالون مع أكاذيب المغضوب عليهم واتخذوا من الإسرائيليين أربابا من دون الله، أم أن المسألة لا تتعلق بقوة المغضوب عليهم بقدر ما هو ضعف أصحاب الحق؟ أم أن المصالح ما بين المغضوب عليهم والضالين أقوى مما بين الفلسطينيين والضالين؟

ماذا سر عدم اهتمام الاعلام العربی؟
نشرت صحيفة "واشنطن بوست” مقالا للكاتب مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، يتحدث فيه عن موقع القضية الفلسطينية في دائرة اهتمام الأنظمة العربية وتأثيرها على تغطية وسائل الإعلام العربية.
وقال الكاتب إن القوات الإسرائيلية يوم الجمعة 30 مارس الماضي، قتلت أكثر من 20 متظاهرا وأصابت أكثر من 700 شخص بعد اقتحام "مسيرة العودة” السياج الذي يقسم قطاع غزة وإسرائيل، وتكررت الصدامات خلال الاحتجاجات أيام الجمعة التالية.
ورغم أن المواجهة بين الناشطين في غزة وجيش الاحتلال استحوذت على الاهتمام العالمي وأعادت وهج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر، لم تستحوذ على اهتمام الإعلام العربي إلى الحد الذي كان يتوقعه المرء، وأضاف الكاتب أنه في الأزمات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة، كانت وسائل الإعلام العربية تبث تغطية إخبارية متواصلة مصحوبة ببرامج حوارية تفتح المجال للنداءات التعبوية الغاضبة، تاركة كل القضايا الأخرى.

هذه المرة، غطت معظم المنافذ الإعلامية العربية الرئيسية الاحتجاجات في غزة وأحداث العنف اللاحقة بدون الأولوية ذاتها، بل كقضية واحدة من بين قضايا كثيرة، ما يعكس تغييرات جذرية في اتجاهات الإعلام العربي مدفوعة بالصراعات السياسية التي تطورت منذ الانتفاضات العربية عام 2011.
وأصبح المشهد الإعلامي العربي الآن أكثر انقسامًا واستقطابًا مما كان عليه قبل الانتفاضات، وباتت وسائل الإعلام مسيطر عليها بشكل أكبر من قبل الدولة، وواجهت الأزمة الفلسطينية الأخيرة منافسة على الاهتمام مع الحروب في اليمن وسوريا وزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة، والمأساة الفوضوية المحيطة بإدارة ترامب، والنهاية المحتملة للاتفاق النووي الإيراني.
هذه البيئة الإقليمية المعقدة والمزدحمة تتيح للأنظمة العربية وإمبراطوراتها الإعلامية كل فرصة لصرف انتباه الجمهور عن تطورات القضية الفلسطينية لتجنب مواجهة ضغط شعبي عام قد يدفعهم إلى اتخاذ موقف تصادمي مع إسرائيل.
وأوضح الكاتب أن الذين يشاهدون البث التليفزيوني يمكن أن يروا بسهولة نبرة التغطية الإعلامية العربية للأحداث الأخيرة في غزة، ولإظهار الاتجاهات بطريقة أكثر وضوحا، تم استخدام الحسابات الرسمية على تويتر للمحطتين الإخباريتين الأكثر شعبية في العالم العربي؛ وهما قناة العربية السعودية وقناة الجزيرة القطرية.
وتتمتع هاتان المحطتان بمتابعة واسعة على وسائل الإعلام الاجتماعية في جميع أنحاء المنطقة العربية، وتمثلان القطبان الرئيسيان في الرأي العام العربي المستقطب بشدة اليوم، بالطبع – وفقا للكاتب- هناك أسباب للقلق من استخدام تويتر، لكنها ليست ذي صلة في هذا التحليل لأنه تم استخدام الحسابات الرسمية كمؤشر لمعرفة أولويات السياسة التحريرية للمحطتين من خلال متابعة اختيارات إدارة المحطة فيما يتعلق بالمحتوى المراد عرضه ونشره وليس كمقياس للمشاعر العامة ودراسة اتجاهات الرأي العام.
وأوضح الكاتب أنه بين 30 مارس، اليوم الأول لاندلاع المواجهات على حدود قطاع غزة، حتى مساء 8 أبريل فحص 619 تغريدة لقناة الجزيرة و643 لقناة العربية، وأتضح أن الفجوة بينهما واضحة، لكنها ليست صارمة، حيث حوالي 18% من تغريدات الجزيرة كانت بشأن غزة مقابل 2% من تغريدات قناة العربية, ما يعكس الأولويات السعودية الآن، حيث ركزت قناة العربية على اليمن وسوريا أكثر من تركيزها على غزة، إلى جانب التغطية المكثفة لزيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة.
المستوى المنخفض من الاهتمام باحتجاجات غزة ينسجم بشكل جيد مع أولويات السياسة الخارجية للسعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث يسعيان إلى التوافق مع إسرائيل ضد إيران ومحاربة الحركات الإسلامية مثل حماس ومواصلة حربهم في اليمن.
من جانبها، حافظت قناة الجزيرة القطرية على وتيرة تغريدات أكبر بشأن غزة، والتي بلغت ذروتها بشكل طبيعي كل يوم جمعة مع الأخبار العاجلة عن الاشتباكات، في حين كانت التغطية على مستوى أدنى خلال باقي أيام الأسبوع.
من الواضح، أن قناة الجزيرة وضعت أولوية لمواجهات غزة أكبر من منافستها السعودية، وسمحت مثل هذه التغطية لقطر بوضع نفسها على مسار متناقض مع خصومها الخليجيين من خلال تصوير نفسها على أنها بطلة الأراضي الفلسطينية.
والعدد الكبير نسبيًا من التغريدات حول غزة لا يعني نوعًا من التركيز الأحادي القوي الذي ميز تغطية قناة الجزيرة للمواجهات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة، حيث كانت معظم تغريداتها بشأن المواجهات الأخيرة في غزة من نوعية الأخبار العاجلة وليس النداءات العاطفية الغاضبة أو المحتوى التحفيزي الواضح، كما كان يحدث في السابق.
ويرى لينش في مقاله بـ”واشنطن بوست”، أن العناصر الأساسية لتلك الديناميكية مألوفة تمامًا، فعلى الجانب السعودي، يشبه هذا الاتجاه الحرب الإسرائيلية مع حزب الله عام 2006 عندما قللت وسائل الإعلام الموالية للسعودية في البداية من التغطية العدائية للصراع وركزت على انتقاد حزب الله.
وبعد حوالي أسبوع ونصف من الحرب، اضطرت إلى تغيير اتجاه تغطيتها خوفا من خطر فقدان المشاهدين، على الجانب الآخر، استفادت قناة الجزيرة بشكل كامل من الاصطفاف بجانب مواقف الجمهور العربي الواسعة وتغطية الحرب اللبنانية الإسرائيلية بشكل مكثف وبطريقة تعبوية عالية.
الآن، أصبحت شعبية قناة الجزيرة محصورة داخل الدائرة التي تتبنى نفس مواقفها (مرآة للسياسة الخارجية القطرية)؛ فلم تعد قناة الجزيرة تحظى بذات المصداقية وسط الجمهور العربي كما كانت في عام 2006، حيث تصدرت المجال العام العربي وكانت المصدر الإخباري الأول لمعظم المشاهدين العرب واستمر ذلك خلال أوقات الأزمات اللاحقة.
اليوم، الأمر اختلف تماما، فالجمهور العربي الآن منقسم بحدة على أسس طائفية ووطنية وأيديولوجية ولا توجد محطة قادرة على السيطرة على المشهد، فهذا التقسيم لوسائل الإعلام إلى فقاعات معزولة نسبيًا نتيجة الانقسامات السياسية الإقليمية العميقة، يخلق ديناميكية مختلفة تمامًا عن عام 2006، والمشهد الإعلامي العربي الجديد يعني أنه على الأرجح سيكون من الصعب على المواجهات على حدود قطاع غزة أن تولد تعبئة مستمرة على نطاق واسع لدعم الحقوق الفلسطينية.
واختتم الكاتب مقاله قائلا، إن الشعوب العربية لا تزال تهتم جدا بالقضية الفلسطينية وكانوا غاضبين بشكل واضح بسبب الهجوم الإسرائيلي على المتظاهرين في غزة، لكن في الوقت الذي ستسلط فيه وسائل الإعلام العربية الضوء على القضية الفلسطينية في وقت الأزمات فقط، فإنها لن تحافظ على استمرار هذا الضوء على حساب قضايا ومصالح أخرى.

mail logo
 برای لغو عضویت اینجا را کلیک کنید.
info@