] نظرة علي الصراع بين الولايات المتحدة و تركيا
الرئیسیة >>  عمومی >> تیتر یک
19 August 2018 - 14:48 : تأريخ النشر
 ، رمز الخبر : 6083

نظرة علي الصراع بين الولايات المتحدة و تركيا

نشهد منذ أيام نزاعا معلنا بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وتركيا من جهة أخرى. فمع تشكّل انتصارات الجيش العربي السوري ومحور المقاومة في سوريا، بدأت تداعيات الإنجازات تظهر في الأفق، ونعتقد أنّ من أهمها التراجع التركي الذي كان من أهمّ المساهمين في هذه الحرب بفضل دعمه للجماعات المسلحة تحت عنوان "المعارضة السورية" والتي أصبح واضحا اليوم أنها جماعات ارهابية ممولّة ومدعومة اقليميا ودوليا.
لكن من حقنا كمراقبين أن نسأل ما هي أسباب هذا الصراع الامريكي-التركي وما هي تداعياتها على مستوى العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة بين البلدين من جهة وعلى المنطقة والتحولات فيها؟
رغم أن النزاع الأخير بين أنقرة وواشنطن يبدو في ظاهره خلافاً حول قس مسجون، إلا أن المشكلة تعود إلى عهد أوباما ، وتتمثل في تعامل واشنطن مع حزب العمال الكردستاني والمنظمات التابعة لحركة غولين المعارضة. لقد نجم عن رد الإدارة الأمريكية على انقلاب الخامس عشر من تموز/ يوليو 2016 تحويل علاقات أنقرة بواشنطن إلى ما يشبه الرهينة. فلو أنّ أحد أعمدة المحاولة الانقلابية في تركيا فانّ الاخر يقيم في الولايات المتحدة، ورغم ذلك رفضت واشنطن الاقرار بهذا الواقع.
يكمن سبب النزاع بين تركيا وأمريكا في مواصلة الأخيرة بتقديم الدعم للأكراد السوريين الذين يحاربون تنظيم داعش الإرهابي. اذ بدأت الشراكة بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية -المعروفة حالياً باسم قوات سوريا الديمقراطية- منذ أكثر من عامين تحت قيادة الرئيس السابق باراك أوباما، واستمرت إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية بدعم قوات سوريا الديمقراطية التي يبلغ عدد أفرادها 50 ألف جندي كقوة محاربة لداعش في شمال سوريا. لكنَّ تركيا ترى أن هذه القوات تشكّل خطراً كبيراً؛ بسبب انتمائها إلى حزب العمال الكردستاني الذي نظّم تمرداً دموياً داخل تركيا قبل ثلاثة عقود، فتسببت هذه المصالح المتعارضة بحدوث تصادم بين واشنطن وأنقرة . لم تنجح الخطة الأمريكية بالتأثير على تركيا، فقد قامت طائرات حربية تركية بضرب وحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية ومواقع لحزب العمال الكردستاني على جانبي الحدود السورية-العراقية، وقد أسفرت عملية القصف -التي وقعت على بعد بضعة أميال فقط من المناطق التي كانت تعمل فيها القوات الأمريكية- عن مقتل 20 شخصاً من مقاتلي وحدات حماية الشعب. في الوقت نفسه، أدّت الضربات التركية في شمال غرب العراق التي استهدفت حزب العمال الكردستاني على جبل سنجار إلى قتل عدد من قوات البيشمركة الكردية، لم يكن هناك تنسيق رسمي مع الولايات المتحدة، وقد تم إعطاء الجيش الأمريكي إشعاراً قبل أقل من ساعة من بدأ العملية التركية. وقد هدد أردوغان بمواصلة تركيا ضرب وحدات حماية الشعب ما لم تتخلَّ الولايات المتحدة عن شراكتها معها، وذلك بعد أن قدمت تركيا بدعمها للاقتراح الروسي بإنشاء "مناطق تصعيد” لتجميد الصراع في أماكن أخرى في سوريا، وهذا بالتأكيد الأمر الذي سيقوض مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة، وإذا ما تسبب خطأ عسكري من قبل تركيا إلى وفاة أفراد من القوات الأمريكية فذلك سيقود إلى حدوث صراع مباشر بين واشنطن وأنقرة.
اعتقد أردوغان أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي على تركيا يمكن أن يتم تداركه، فإذا قامت تركيا بالتغاضي عن وجود التنظيم في سوريا، فإن داعش لن يشن هجمات على تركيا. ثبت أنّ هذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة؛ إذ أسفر تفجير تبناه التنظيم في 20 تموز عام 2015 عن مقتل 33 شخصاً وجرح أكثر من 100 آخرين في مدينة سوروك الجنوبية في تركيا، وكان العديد من الضحايا من الأكراد الأتراك، وبعد عدة أيام قام مسلحون من حزب العمال الكردستاني بقتل اثنين من رجال الشرطة التركية مدعين أن هذا الهجوم هو انتقام من تركيا التي تتآمر مع داعش.
في ظل التحديات العالمية العديدة التي يواجهها ترامب، فإنه قد اكتشف أن الأحداث في شمال سوريا معقدة جداً؛ في الواقع قد لا يكون هناك بلد أكثر تعقيداً من سوريا على هذا الكوكب، إلّا أن اشتباك القوات الأمريكية وسط تفاقم التوترات بين تركيا والولايات المتحدة قد لا يسهل الحلّ  لتفادي الخسائر.
لوقف مزيد من الانزلاق في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وفي سبيل إيجاد أرضية مثمرة للعلاقات الثنائية في المستقبل، يتوجب على الولايات المتحدة أن تقطع علاقاتها بحزب الاتحاد الديمقراطي أو حزب العمال الكردستاني. وطالما استمر غولين وأنصاره في استخدام الولايات المتحدة كمنصّة وطالما استمر حزب العمال الكردستاني في كسب مزيد من النفوذ داخل سوريا، فسوف تستمر حالة التأزم التي تشوب العلاقات بين واشنطن وأنقرة. وبالمقابل سيبقى التحدي التركي للقرارات الأمريكية أكبر، فهاهي تركيا تعلنها صراحة أنّها لن تخضع للعقوبات الأمريكية على ايران وستستمرّ في علاقتها التجارية معها، وهاهي تصرّ على استمرارا فتح القنوات مع روسيا في المجالات العسكرية واللوجستية، والأهمّ أنّها اليوم تتحدى العقوبات الأمريكية عليها مواجهة كل التداعيات. ما تعانيه الادارة الامريكية اليوم يفوق كل التوقعات، فهستيريا العقوبات التي أقرّها ترامب، باتت اليوم تشكّل سببا للتقارب ووحدة المصلحة بين دول المنطقة، فتركيا تسعى لتجاوز كل الخلافات مع جيرانها لتستفيد من تقارب ايراني-روسي قادر على تمكينها من مواجهة الادارة الامريكية واستفزازها. لعلّها الضارة النافعة دون شكّ لدول الجوار أيضا وحلّ كل ملفات المنطقة المعقّدة، وعلى رأسها الملف السوري.
 

mail logo
 برای لغو عضویت اینجا را کلیک کنید.
info@