أما الولايات المتحدة، التي تقود أكثف حملات التحريض والتعبئة ضد حزب الله، وتضع اللبنانيين بين خيارين، أحلاهما مُرّ: إما الدولة العظمى وإما «دويلة الضاحية»، فهي تنخرط في مفاوضات مكثفة ومعمقة مع حركة طالبان، ويكاد موفدها زلماي خليل زاد أن يبرم اتفاقا نهائيا مع أحد مؤسسي الحركة الأصولية والرجل الثاني فيها الملا عبد الغني برادر، وهي الحركة المصنفة إرهابية، التي احتضنت القاعدة ورفضت التخلي عن أسامة بن لادن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ليبقى السؤال عن «المسطرة» التي تقيس بها واشنطن خطواتها وقراراتها، سؤالا مشروعا، يلقي بمزيد من الشك والظلال حول المعايير الأمريكية المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين.
تطوران مهمان شهدتهما حلبة السياسة الدولية حيال لبنان مؤخرا: الأول؛ ويتمثل في قرار الحكومة البريطانية إدراج الجناح السياسي لحزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية، فضلا عن جناحه العسكري المدرج على القائمة ذاتها منذ سنوات عديدة. أما التطور الثاني، فيتجلى في المواقف التي عرضها ديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية الأمريكية الذي يجول حاليا في المنطقة توطئة لجولة مايك بومبيو، المتعلقة بالحزب ذاته، حيث ذهبت مواقف المسؤول الأمريكي مع كل من التقاهم في بيروت، باتجاه التحريض على الحزب، وحث الأطراف اللبنانية على عزله وتجنب خياراته، حتى لا يواجه هذا البلد الصغير عواقب ليست محمودة.
من حق الحكومتين؛ البريطانية والأمريكية اتخاذ ما تشاءان من قرارات ومواقف وانتهاج ما تريانه مناسبا من سياسات واستراتيجيات، ولكن من واجب هاتين الحكومتين أن تنظرا للأثر الذي يمكن أن تحدثه محاولاتهما فرض خيارات «مستحيلة» على بلد صغير بحجم لبنان، نجا بأعجوبة من الزلزال السوري وارتداداته المستمرة منذ ثماني سنوات. من حق هذا البلد، أن يحظى بشبكة أمان إقليمية ودولية، تمكنه من تفادي الانزلاق في مربعات الفوضى والاضطراب والاحتراب الأهلي. من حق هذا البلد الصغير، أن يحذر الوقوع في حفرة عميقة؛ لمجرد أن لندن وواشنطن تريدان معاقبة إيران أو استرضاء إسرائيل أو مغازلة بعض الدول.
بريطانيا تحتضن جماعة الإخوان المسلمين، وهي تنظيم أصولي كحزب الله، مع الفارق المذهبي، وبعض فروعها في العالم العربي، متورط بالدم المراق على مذبح حروب المحاور وحروب الوكالة من اليمن إلى سوريا، مرورا بمصر وليبيا وغيرها من دول المنطقة. بريطانيا، تجري حوارات مع الحوثيين، فيما الدعاية البريطانية، والغربية عموما تضع «أنصار الله» اليمنية في مكانة «الشقيق التوأم» لحزب الله اللبناني، وتصنفهما كأداتين لنفوذ إيران الإقليمي، وذراعين لفيلق القدس والحرس الثوري، فكيف يمكن للحوار والتفاوض أن يكونا جائزين مع «أنصار الله»، حيث يصرف البريطاني مارتن غريفيت معظم وقته في صعدة وصنعاء والحديدة، ويلتقي الوزير جيرمي هانت ممثلي الحوثي في مسقط وستوكهولم، فيما السفير البريطاني كريس رامبلينغ يقاطع نشاطا لوزارة الصحة اللبنانية؛ لأن الرجل الذي يتولى هذه الحقيبة محسوب على حزب الله، وليس عضوا عاملا فيه كما يقول الحزب؟
أما الولايات المتحدة، التي تقود أكثف حملات التحريض والتعبئة ضد حزب الله، وتضع اللبنانيين بين خيارين، أحلاهما مُرّ: إما الدولة العظمى وإما «دويلة الضاحية»، فهي تنخرط في مفاوضات مكثفة ومعمقة مع حركة طالبان، ويكاد موفدها زلماي خليل زاد أن يبرم اتفاقا نهائيا مع أحد مؤسسي الحركة الأصولية والرجل الثاني فيها الملا عبد الغني برادر، وهي الحركة المصنفة إرهابية، التي احتضنت القاعدة ورفضت التخلي عن أسامة بن لادن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ليبقى السؤال عن «المسطرة» التي تقيس بها واشنطن خطواتها وقراراتها، سؤالا مشروعا، يلقي بمزيد من الشك والظلال حول المعايير الأمريكية المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين.
أيا كانت مواقف العاصمتين الحليفتين «عبر الأطلسي»، من حزب الله أو إيران، فإن السؤال الذي يتعين على الدولتين الكبريين الإجابة عنه من دون مواربة: هل المراد بهذه الخطوات والسياسات «تفجير لبنان»، لاسيما أنهما تدركان مثل غيرهما، بل وربما أكثر من غيرهما من العواصم، أن «استثناء» حزب الله، واستهدافه إلى هذا الحد، والطلب إلى اللبنانيين إخراجه من «المعادلة السياسية والاجتماعية»، وفرض عقوبات على لبنان بـ «جريرة» حزب الله أو بـ«ذريعته»، هي أقصر الطرق لضرب الاستقرار الهش في هذا البلد، واستهداف أمنه وسلمه الاجتماعي، ونقل «الحرب في سوريا وعليها» إلى داخل حدوده، سواء صدر ذلك عن نية «حسنة»، وليس للنوايا الحسنة مطرحٌ في السياسة، أو عن «سبق الترصد والإصرار»؟