] 2017... عام انغماس "إسرائيل" في مغامرة دموية إقليميا
غرب آسیا >>  غرب آسیا >> مطالب ستون وسط
07 January 2017 - 11:44 : تأريخ النشر
 ، رمز الخبر : 2411

2017... عام انغماس "إسرائيل" في مغامرة دموية إقليميا

بعد متابعة ردود الفعل الإسرائيلية المتلاحقة على قرار مجلس الأمن الذي يعتبر الاستيطان في الضفة الغربية غير قانوني ومضرا بفرص التسوية، يمكننا وصف حالة الحكومة الإسرائيلية بالارتباك والقلق والانكفاء لدراسة الاحتمالات وكيفية الرد عليها.
موقع البصیرة / بسام أبو شريف
جاء قرار مجلس الأمن في زمن وصلت فيه الغطرسة العنصرية الإسرائيلية مستوى لم يسبق له مثيل، ورافق هذه الغطرسة شعور بالنشوة العنصرية أعمت رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه عن رؤية تنامي عدم الرضى في المجتمعات الغربية التي يشكل دعم حكوماتها لـ"إسرائيل" عوامل استمرارية الحياة للدولة الصهيونية.

وتصرف جيش الاحتلال بعنصرية دموية، وصلت في إجرامها إلى إطلاق النار على الأطفال والجرحى ومحاكمة القصر والحكم عليهم وتدمير البيوت جزافاً ومصادرة الأراضي، ووصلت إلى حد إحراق الرضع وأمهاتهم.

في ظل هذه النشوة العنصرية، جاء قرار مجلس الأمن الذي لم تستخدم الولايات المتحدة حقها بالنقض لمنعه. وشكل ذلك صدمة لتلك النشوة التي أوصلت رئيس وزراء "إسرائيل" وحكومته إلى الاعتقاد بأن قرار واشنطن يتخذ في مكتب بنيامين نتنياهو. لكن الصدمة التي تلقاها نتنياهو تفوق في نتائجها أي صدمة كبيرة له وأي صدمة تزلزل لحكومته.

فالاندفاع غير المسبوق لغزو الضفة الغربية بالمستوطنات، وصل إلى حد الشروع في نقل نصف سكان "إسرائيل" إلى الضفة الغربية، بحيث تكون الضفة الغربية يهودية وتسمى يهودا والسامرة وتشكل درعاً واقية للهضاب والساحل الفلسطيني المسلوب.

وهذا ما يطلق عليه بنيامين نتنياهو في جلساته الحميمة مع مموله شيلدون أدسلون، «وعد بلفور الثاني»، ونستطيع أن نصف شعور نتنياهو قبل القرار بأنه شعور القوة العظمى التي تتحكم بالشرق الأوسط وتفعل ما تريد وتهيّئ نفسها وحلفاءها الجدد في المنطقة لتوجيه ضربة مزلزلة لإيران.

ولم يكبح نتنياهو ووزراؤه نفسهم عن الخروج علناً لإعلان دورهم في الحرب الاستعمارية الإرهابية الدائرة على أرض سوريا بهدف تدميرها وتمزيق وحدتها.

لا بل يتبجحون لفرض شروطهم لوقف تلك الحرب والتي كان بندها الأول ــ رحيل بشار الأسد، واستند نتنياهو في شعوره بأنه المتحكم بالحرب في سوريا إلى التحالف الوثيق القائم بين "إسرائيل" والنصرة وفصائل إرهابية أخرى، لم تخفِ هي الأخرى علاقاتها الحميمة بـ"إسرائيل" ولم تتردد في طلب مساعدتها علناً في حربها الإجرامية لتفتيت سوريا وضرب الجيش العربي السوري.

وزاد من شعور بنيامين نتنياهو بأنه السيد المطلق، عدم تنامي انتفاضة الشعب الفلسطيني والمشاركة الفاعلة لأجهزة أمن السلطة في منع ذلك والتنسيق لاعتقال القيادات الشابة التي برزت خلال المرحلة الأولى من انتفاضة القدس.

وعبر عن ذلك وزير العدل الإسرائيلي عندما قال علناً: «سوف نستمر في ضربهم على رؤوسهم حتى يقرّوا أن السيادة لنا». وألحق ذلك بعد إقرار مجلس الأمن الصهيوني بقوله: «شطبنا كلمة فلسطين». هذا هو بالضبط ما كان نتنياهو وحكومته بصدد تحقيقه من خلال التخطيط والمشاركة في الحرب الدائرة بين الإرهاب والجيشين العربيين السوري والعراقي، وهذا هو الهدف من وراء التمدد السريع لبناء المستعمرات ونقل المهاجرين اليهود إليها في الضفة الغربية.

شطب فلسطين

قلنا إن هذه هي عوامل تنامي الغطرسة الصهيونية التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق عشية اتخاذ قرار مجلس الأمن حول المستوطنات. وأتبع ذلك جون كيري في خطاب له بتفسير أهم ما جاء فيه: «إن مواقف الحكومة الإسرائيلية سوف تقضي على السلام والحل السياسي وعلى الدولة الفلسطينية وإسرائيل». وهذا أمر غير مسبوق أيضاً، فجون كيري الذي يودع السياسة بعد أيام يلخص تبعات الموقف الإسرائيلي على الإسرائيليين: سنقضي على "إسرائيل"!!، وهذا فعلاً غير مسبوق وأرى فيه كلاماً صحيحاً واستنتاجاً منطقياً ومستنداً لتصور تنامي المقاومة ضد "إسرائيل" وعدم قدرة "إسرائيل" على مواجهة حروب كالتي تدور على الأرض السورية والعراقية.

الصدمة والخشية:
في حسابات نتنياهو المصدوم بالموقف الأميركي، خشية كبيرة من الأمور التالية:
- «إلعب غيرها» مع الغرب ــ لا يصدمه أحد.
- مؤتمر باريس استمرار لكلام كيري، سيحاول إلغاءه بإغراء السلطة.
- عدم مقدرة تحديد توجهات ترامب.
- تنامي الشعور في الوسط الفلسطيني بضرورة إحياء الانتفاضة.
- وقف إطلاق النار في سوريا ــ سنحاول الإخلال به.
- نمو الدور الروسي.
- الخشية من الحرب الأهلية في "إسرائيل" ــ تمزق المجتمع الإسرائيلي.

يرتبك نتنياهو في مطلع هذا العالم (ويكاد يرتعد) من موضوعين استراتيجيين: الأول هو بداية انهيار المخطط الذي قدمه هو لأول مرة عندما تسلم رئاسة الوزراء في عهد الرئيس كلينتون.

وهو مخطط تدمير القوى العربية التي ما زالت قادرة على الدفاع عن نفسها وترفض التعامل مع "إسرائيل" وهي سوريا والعراق واليمن.لكن كلينتون في حينها وضع المشروع جانباً لأنه(بحسب تعبيره) «قد يحرق يديه وليس فقط أصابعه».جوهر المشروع كان إشعال حروب طائفية مدمرة تشطب العامل القومي العربي الذي تستمد منه الحركة الفلسطينية بعداً وعمقاً استراتيجياً وتحويل الصراع إلى طائفي ينتج عنه إقامة أكثر من دولة طائفية في العراق وسوريا واليمن، وهذا يعطي "إسرائيل" كدولة يهودية شرعية الوجود ويجعلها القوة الإقليمية المهيمنة على الشرق الأوسط. بداية انهيار هذا المخطط في سوريا والعراق على يد الجيشين العربيين السوري والعراقي وقوى المقاومة يشكل مصدر إرباك وقلق وخوف لدى نتنياهو.

والموضوع الثاني هو الرسالة التي تضمنها قرار مجلس الأمن حول الاستيطان في الضفة الغربية، والرسالة الواضحة التي جاءت في خطاب جون كيري الذي خلص إلى القول إن ما تقوم به الحكومات الإسرائيلية لن يدمر حلم الدولة الفلسطينية فقط بل "إسرائيل" أيضاً.

ففشل المخطط لا يعني فقط هزيمة مشروع الدويلات الطائفية في بلاد العرب، بل يعني أكثر بكثير من ذلك، ومن ضمن الأمور المهمة التي تعنيها هزيمة مشروع نتنياهو، هو خروج الجيشين العربيين السوري والعراقي أكثر تدريباً وأحدث تسليحاً وأقدر على خوض حرب متنوعة التكتيكات ميدانياً(حرب الجيوش وحرب المدن والشوارع والأنفاق واستخدام أحدث تكنولوجيات السلاح فيها).

ولا تتحدث "إسرائيل" عن هذا بل تستعيض عنه بالحديث عن خطورة انتقال أسلحة متطورة لـ«حزب الله» وتنظيمات المقاومة العربية.
لهذا السبب سوف يبذل نتنياهو كل جهوده لإبقاء الحرب مشتعلة بهدف مزيد من إشعال القوى العربية بمعارك داخلية وإبعادها عن خطوط المواجهة، كي يستمر نتنياهو فيما وعد الصهاينة العنصريين به، وهو ضم الجولان والضفة الغربية لـ"إسرائيل" وشطب فلسطين كما أعلن قبل يومين ليبرمان وعدة وزراء في الحكومة العنصرية الإسرائيلية.

وجهود نتنياهو سوف تأخذ شكلاً أكثر هجومية من حيث دعم قوى إرهابية داخل سوريا أقامت علاقات تعاون وتنسيق مع "إسرائيل" منذ سنوات.

وسوف تعطي هذه التنظيمات الإرهابية غطاء جوياً محدداً وتستخدم قصف الصواريخ من الجو من مسافات بعيدة، حسبما تفيدنا معلومات وصلتنا وقد لا تكون كاملة أو دقيقة، فإن تركيز الدعم العسكري الإسرائيلي سيكون في جنوب سوريا في المنطقة التي تمتد من الحدود الأردنية إلى السويداء مروراً بالقنيطرة والشريط الحدودي.

أما مصدر الارتباك والقلق الأساسي الثاني فهو عدم معرفة "إسرائيل" كيف سيتعرف الرئيس الأميركي الجديد ترامب إزاء مشاكل الشرق الأوسط.

فالمعلومات المتوفرة لدى "إسرائيل" لا تزيد عن المعلومات المتوفرة لدى أي مخابرات تتابع ما ينشر، إذ إن تقارير المخابرات الإسرائيلية أثناء الحملة الانتخابية (والتي استندت إلى تقارير «إيباك» جزئياً ــ وجهاز الموساد المكلف بالعمل في واشنطن) وكانت تتوقع فوز هيلاري كلينتون والتي كانت قد جهزت لائحة فريقها الذي يضم عدداً من كبار مؤيدي "إسرائيل"، وأدى هذا إلى ارتخاء في أوساط الحكومة الإسرائيلية مما حوّل انتصار ترامب إلى فشل مخابراتي إسرائيلي ذريع.

وتماماً كما أمر نتنياهو أعضاء حكومته بعدم الإدلاء بمواقف أثناء الحملة الانتخابية الأميركية، سارع إلى إلزام الجميع باستخدام الوسائل والعلاقات كافة للتعويض عما خسرته "إسرائيل" بموقفها المستند لتوقعها نجاح هيلاري كلينتون، وذلك بعد تقديم الدعم لمرشحين (مؤيدين لـ"إسرائيل") للانضمام لفريق دونالد ترامب.

برغم هذا فإن اليقين، يبقى بعيداً حول مواقف ترامب المستقبلية بخاصة أن الواضح حتى الآن من سياسة ترامب في الشرق الأوسط هو رغبته في التعاون مع موسكو لإيجاد حلول سياسية بعيداً عن الحروب لمشاكل الشرق الأوسط.

وجاء تعليق ترامب على تأجيل فلاديمير بوتين القيام بالرد على العقوبات التي فرضها باراك أوباما على روسيا، يثير فرحاً في نفس ترامب، الذي عبر عن سعادته بموقف بوتين في تعليق أدلى به عبر موقع تويتر(Twitter).

وفي ظل الموقف الذي أكده لافروف مؤخراً في تصريح للصحافيين في موسكو والذي أكد فيه أن المرجعية في حل الصراع العربي الإسرائيلي هي قرارات الأمم المتحدة، فإن أي بحث بين ترامب وبوتين حول حل النزاعات في الشرق الأوسط سوف يعيد البحث في تطبيق قرارات الأمم المتحدة.

وهذا ما لا تريده الحكومة الإسرائيلية التي تسابق الزمن في التمدد الاستيطاني وتهويد القدس لخلق وقائع جديدة تصعب تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ووضع نتنياهو هدفاً له الأولية لإبعاد بحث الموضوع الفلسطيني عن جدول بوتين ــ ترامب، وهو إبقاء الحرب مشتعلة على أرض سوريا وتصعيدها بتوجيه ضربات مباشرة لـ«حزب الله» وأصدر الأوامر برفع مستوى نشاط الموساد في لبنان وسوريا والعراق والأردن. وهذا يشير إلى نوايا "إسرائيل" بشن عمليات تفجير واغتيال في أكثر من مكان.

ويزداد قلق نتنياهو داخلياً في "إسرائيل" لتنامي الشعور بأن المستوطنين والاستيطان سيجلبون الكوارث للإسرائيليين، ولم يعد خافياً على المتتبعين تنامي الجفاء بين من يطلقون على أنفسهم تعبير إسرائيليين ويميزون انفسهم عن المستوطنين.

ويعود الشعور هذا لاعتقاد عدد كبير من الإسرائيليين بأن المستوطنين يزعزعون استقرارهم. وتضاف هذه المشكلة إلى مشاكل الممارسات العنصرية الواضحة بين اليهود الشرقيين والغربيين والسود والبيض والتي تفوقها بالطبع ممارسات العنصرية اليهودية ضد العرب إجمالاً.

وسُيّس الاستيلاء الصهيوني على وادي عارة تفجيراً شعبياً قوياً، لأنه يضيف إلى عمليات النهب الإسرائيلية لأراضي عرب 1948 نهباً جديداً ويبرز التصرف العنصري المعادي للعرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ومن المفترض قانونياً أن تكون حقوقهم متساوية مع حقوق الإسرائيليين اليهود.

نتنياهو يقف مرتبكاً أمام الاحتمالات: فتجميد الاستيطان سيقود إلى انهيار الائتلاف الحكومي وسقوط الحكومة، وعدم التوقف عن الاستيطان سيزيد عزلة "إسرائيل" ويدعم الحملات لمقاطعتها ويثير ردود فعل شعبية فلسطينية.

ويزداد ارتباكه من احتمال عقد المؤتمر الدولي في باريس الشهر المقبل، فعقد مؤتمر دولي سوف يعني انتكاسة لمحاولات شطب موضوع فلسطين من جدول الأعمال، برغم أنه لن يخرج بقرارات تلزم "إسرائيل"، وهذا سوف ينقل الموقف الأوروبي بالضرورة إلى مستوى أعلى من معارضه أوروبا لممارسات "إسرائيل".

عندما يرتبك نتنياهو، يبدأ بارتكاب أخطاء فادحة ستزيد من خسارته وخسارة "إسرائيل". إن جهل نتنياهو بالمنطقة العربية هو شبيه بجهل من يطلقون على أنفسهم في الولايات المتحدة خبراء في الشؤون العربية أو خبراء شؤون الشرق الأوسط. فهم يجهلون أن مايكروسفت لا يستطيع أن يدلهم على طرقات العالم العربي والعوامل المؤثرة الكامنة والغائرة. ولذلك نتوقع لبنيامين نتنياهو المرتبك أن يتخذ قرارات بعيدة عن العقل والعقلانية ونتوقع أن يشهد عام 2017 انهياره وانهيار حكومته وسقوط تدريجي لبرنامجه الداخلي.

المصدر: الأخبار

mail logo
 برای لغو عضویت اینجا را کلیک کنید.
info@