الانتقادات وحالة الاحتقان الشديدة في الرأي العام الفلسطيني لم تتوقف منذ مشارکة عباس فی عزاء بیریز، وكأن كل مواطن فلسطيني اعتبر الأمر شخصياً، وعبّر عن غضبه وانتقاده. لكن هذا الغضب لم يتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل غياب جذري لأي معارضة حقيقية فلسطينية، إذ لم تخرج أي مظاهرة أو وقفة احتجاج على الأقل، ولم يقم أي قيادي فلسطيني بإدانة واستنكار تعزية الرئيس بالسفاح.وتابع: “الأمر الآخر الذي يعكس الخسارة الكبيرة في خطوة القيادة هو أن الدول العربية التي تريد التطبيع مع إسرائيل تختبئ وراء الموقف الفلسطيني وتتسلح به، وتستخدم الأفعال الفلسطينية غطاء لها للتطبيع”.

شُيعت جنازة الرئيس الصیهوني السابق شيمون بيريز، ظهر يوم الجمعة الماضی، وسط حضور قادة العالم، وممثلي بعض الدول العربية، على رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن، وسامح شكري، وزير الخارجية المصري، وشهدت الجنازة بعض اللقطات الحميمية بين مسؤولين عرب وإسرائيليين، وكذلك اقتداء بعض قادة العالم بالتقاليد اليهودية، کما صافح الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو خلال الجنازة في لقاء علني يندر حدوثه بين الرجلين، ونشر المتحدث باسم نتنياهو مقطع فيديو على موقع «تويتر»، يقول فيه «عباس»، وهو يصافح نتنياهو باللغة الإنجليزية: «من الجيد رؤيتك، مضى وقت طويل» بينما شكره نتنياهو وزوجته سارة على حضوره، و خلال مراسم تشييع الجنازة احتضن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابنة شيمون بيريز، وبدا عليهما التأثر في تلك اللحظة، و اثناء جلوس محمود عباس مع قادة الدول انهمرت دموعه حزنًا على وفاة بيريز، وهو ما دفع أحد الحضور لمواساته، ولقيت هذه اللقطة انتقاد الكثيرين الذين تعجبوا من تأثره خاصةً أن اليوم يوافق ذكرى مقتل الطفل محمد الدرة.
الفصائل ترفض تعزية ابومازن
ومن جهتها عبرت الفصائل عن رفضها لموضوع التعزية جملة وتفصيلا، باعتبار ان بيريز مجرم حرب ولا يستحق العزاء على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. حيث طالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعدم المشاركة في جنازة مجرم الحرب الصهيوني " شمعون بيريس". وقالت الجبهة أن مشاركة الرئيس وأي قيادات فلسطينية أخرى هو استمرار لوهن التأثير في "المجتمع الإسرائيلي"، واستمرار في الرهان على ذات النهج والطريق الذي أنتج اتفاقيات أوسلو والذي كان بيريس أحد أهم عرابيها. وبهذا المعنى، ترى الجبهة الشعبية أن مشاركة الرئيس في جنازة بيريز تلحق أشد الضرر بشعبنا، وبالعلاقات الفلسطينية الداخلية، وتجاوز للإجماع الشعبي الذي يرى في الهالك شمعون بيريس مجرم ومحتل ومرتكب مجازر مروعة ضد شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.
كما أدانت حركة "حماس" تعزية الرئيس محمود عباس بوفاة رئيس إسرائيل السابق شمعون بيريس. واعتبر الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري في بيان له، أن تعزية الرئيس عباس بوفاة بيريس استخفافاً بدماء الشهداء ومعاناة الشعب الفلسطيني. وأكد أبو زهري أن الشعب الفلسطيني يشعر بالارتياح لرحيل ما أسمته " المجرم بيريس"، الذي ارتكب مجزرة قانا وغيرها من المجازر بحق الشعب الفلسطيني، كما قال.
ومن جهتها استنكرت حركة المجاهدين الفلسطينية، التصريحات والتعزية التي قدمها رئيس السلطة محمود عباس بوفاة رئيس الكيان الصهيوني الأسبق وأحد مؤسسيه المجرم شمعون بيرس واعتبرت التصريحات المشيدة ببيريز تنكر لدماء الشهداء وتقدير للمجرم. وقال د. سالم عطا الله عضو مكتب الامانة العامة لحركة المجاهدين في تصريح صحفي مساء اليوم الخميس " ان كانت تلك الممارسات الخارجة عن ارادة شعبنا الذي اوغل بيريز في دمه المجرم بيريز عملا سياسيا او تكتيكا دبلوماسيا فتباً لذلك كله". وتابع: لقد سمعنا اصواتا معزية واخرى حزينة من ابناء جلدتنا للأسف على هلاك شمعون بيريز رئيس دولة الاحتلال السابق ... لنتساءل ارضنا التي شارك في اغتصابها بيريز والدماء التي سفكها هذا السفاح ما زالت حاضرة في شعبنا وامتنا. ودعا عطا الله اولئك المراهنون والباكون على اطلال اوسلو الاصغاء لصوت الضمير وازالة الضباب من على اعينهم فالعدو واحد وخيار التحرير واحد. كما استغرب عطا الله امام ذلك كله سماعنا عن عزم رئيس السلطة عباس عن نيته المشاركة في جنازة هذا المجرم في تصرف يضرب فيه عرض الحائط لانات واهات المعذبين علي يدي هذا الهالك داعياً رئيس السلطة الى عدم المشاركة في هذه الجنازة وإلى زيارة غزة بدلا من ذلك والانحياز لخيار الشعب الرافض للحل التسووي والداعم لخيار المقاومة والانتفاضة.
وفي الإطار، أجاب الأستاذ عبدالله أبو شرخ الباحث والناشط السياسيّ عند سؤاله عن موقفه من التعزية بأنه: "لابد في البداية ملاحظة أن سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية تتصرف كدولة من خلال مشاركتها بمراسيم الجنازة، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني قد نال كامل حقوقه وأصبح له دولة، وهذا نهج في منتهى الخطورة كونه يمثل تشريعاً للاحتلال”، وأضاف أبو شرخ:” من جهة ثانية فإنَّ المشاركة الرسمية بالجنازة تعني أنَّ العلاقات بالدولة العبرية هي علاقات (طبيعية)، فكيف نستنكر تطبيع عرب الخليج مع إسرائيل، بينما نحن من يبادر ويشرع هذا التطبيع حتى من قبل أن تعلن إسرائيل عن نيتها بالانسحاب من الضفة الغربية!”، وأردف أبو شرخ بالقول: "باختصار تعتبر المشاركة الرسمية الفلسطينية في الجنازة تشريع لواقع الاحتلال وإعفاء لإسرائيل من صفتها القانونية كدولة احتلال”. وختم أبو شرخ:”بيريز زعيم صهيوني وهو صاحب المشروع النووي الإسرائيلي وهو مجرم مجزرة قانا، فأين السلام المزعوم الذي تحدث عنه رباح؟ من الواضح أن يحيى رباح يعتبر أن السلام هو غنيمة السلطة التي حصل عليها بعد أوسلو”.
وفي نفس السياق شدد الأستاذ ناصر رباح، الكاتب والشاعر الفلسطيني على الرفض لفكرة التعزية وعدم الاكتراث لمشاعر الداخل الفلسطيني، وقال رباح للبديل: "أعرف جيداً ثقل مسؤولية المستوى السياسي حين يتخذ قراراً أو يتصرف تصرفاً لا يفهمه ولا يتفهمه الجمهور البعيد عن أروقة السياسة والبروتوكول واللباقة الدبلوماسية المفترضة بين الحكومات. لكن متى كنا حكومة ومتى كنا دولة كي نتعامل مع الآخر بمنتهى اللباقة وهو يعاملنا بمنتهى التجاهل والازدراء؟”، وأضاف:”كان من الممكن التعبير عن العزاء ببرقية مقتضبة من مستوى أقل من مستوى الحميمية التى شعرنا بها وكأنَّ السيد بيريز هو صديق الراحل أبو عمار في مقاعد الدراسة”. وتسائل رباح: "لماذا وفد رسمي ولماذا كل هذا الانبطاح السياسي ونحن نعطي الحكومة الإسرائيلية ظهورنا ونتعلق بأستار الأمم المتحدة قبل أيام؟ منطق غريب وتصرفات غير متجانسة في أسبوع واحد من مكتب الرئيس الفلسطيني”.
وعلّق الكاتب والصحفي الإنجليزي "روبورت فيسك” على الحادثة في مقال له "عندما عرف العالم أن شيمون بيريز قد مات، صرخوا "ها قد مات صانع السلام!” لكن عندما عرفت أنا أن بيريز قد مات، لم أفكر سوى في الدماء والنار والمذبحة. لقد رأيت نتائج المذبحة: أطفال رضع ممزقين، لاجئون يصرخون، وأجساد مشتعلة. كان ذلك في مكان يدعى قانا. حالياً، يقبع معظم الضحايا الـ106، ونصفهم من الأطفال، تحت معسكر الأمم المتحدة في المكان الذي مزقتهم فيه القذائف الإسرائيلية إلى أشلاء. كنت حينها في قافلة مساعدة تابعة للأمم المتحدة خارج تلك القرية الواقعة في جنوب لبنان. مرت تلك القذائف فوق رؤوسنا مباشرة وصولاً للمعسكر المزدحم باللاجئين، واستمر إطلاق القذائف سبع عشرة دقيقة. ضربت القذيفة الأولى مقبرة يستخدمها حزب الله، أما باقي القذائف فقد طارت مباشرة إلى معسكر فيجاني الحربي التابع للأمم المتحدة، حيث كان مئات المدنيين يتخذونه ملجأً لهم. صرح بيريز: "لم نكن نعلم أن عدة مئات من الناس كانوا في ذلك المعسكر. لقد كان الأمر مفاجأة مرة لنا”. كان ذلك كذباً. فالإسرائيليون قد احتلوا قانا لسنوات بعد اجتياح سنة 1982، وكان بحوزتهم أفلام فيديو للمعسكر، بل كانوا قد أرسلوا طائرة دون طيار تحلق فوق المعسكر أثناء المذبحة، وهي حقيقة ظلوا ينكرونها حتى أرسل لي جندي من جنود الأمم المتحدة فيديو التقطه بنفسه للطائرة. وقد نشرنا مقاطع منها في الإندبندنت. أضف إلى ذلك أن الأمم المتحدة كانت قد أخبرت إسرائيل مراراً وتكراراً أن المعسكر مليء باللاجئين. كانت تلك مشاركة بيريز لإحلال السلام في لبنان. وخسر الانتخابات، وربما لم يفكر بعد ذلك أبداً في قانا. لكنني لم أنسها قط”.
الصمت الرسمی
وأمام الغضب والانتقادات الشعبية الحادة التزم المستوى الرسمي الفلسطيني الصمت المطبق، وحتى الذين شاركوا في التشييع فضّلوا إما عدم الحديث والاعتذار بطريقة لبقة، أو أقفلوا الخط بوجه الصحفیین، و لم يخرج أي قيادي فلسطيني ليخاطب الرأي العام ويجيب عن سؤال واحد: "ما الذي تجنيه القيادة من المشاركة في جنازة قاتل أطفال قانا، ومؤسس الاستيطان والسلاح النووي الإسرائيلي؟”.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس محمود محارب: "ما قامت به القيادة الفلسطينية لا يخدم الرواية التاريخية الفلسطينية، ويقدم خدمة مجانية للمهرجان الذي قدمته إسرائيل من أجل الحصول على دعم دولي فيه الكثير من الدجل والكذب في مسيرة بيريز. الذين أبّنوه تجاهلوا دوره العدواني تجاه الفلسطينيين والعرب، ومشروعه الذي أدى إلى تفوق إسرائيل العسكري واحتكارها السلاح النووي في المنطقة”. واعتبر أن مشاركة عباس في تشييع بيريز ألحقت ضرراً كبيراً بالموقف الفلسطيني، قائلاً: "القيادة الفلسطينية من خلال مشاركتها أعطت صورة مضللة للعالم، بأن الفلسطينيين والإسرائيليين يعيشون بوئام، وكل شيء على ما يرام، وكأنه لا يوجد استيطان وقتل يومي”. وأضاف: "إذا فكرنا بحسابات الربح والخسارة، فالموقف الفلسطيني خاسر بوضوح، لماذا على الرئيس أن يذهب لجنازة بيريز في ظل احتلال وعدم وجود مسيرة سلام. الرئيس عباس بخطوته هذه لم يقدم تعريفه لإسرائيل أمام العالم بأنها دولة احتلال وقتل وتدمير، فضلا عن عدم وجود أي جدوى سياسية فعلية من المشاركة”.
كواليس المشاركة
كشف مصدر فلسطيني مقرب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" كواليس مشاركته في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز. وأوضح المصدر أن الاعتبارات السياسية كانت ثانوية بشأن مشاركته في جنازة بيريس، وأن الاعتبارات الإنسانية هي التي حسمت الموقف. وذكر المصدر أنه بعد تكهنات كثيرة حول مشاركته أو عدم مشاركته في مراسم تشييع ، قرر أبو مازن المشاركة في جنازة من كان شريكه في بلورة اتفاقيات أوسلو. وأضاف المصدر أن عباس كان يرغب في المشاركة في التشييع منذ اللحظة الأولى لإعلان وفاة بيريز، إلا أنه كان يفضل أن توجه له الدعوة من قبل العائلة نظرًا لحساسية الموقف السياسي بين القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية.
وبعد أن اتضح أن الجانب الإسرائيلي، سواء كان ذلك الحكومة أو العائلة لا ينوي توجيه الدعوات إذ أن طلبات المشاركة انهالت على الخارجية الإسرائيلية. وبعد اتصالات بين الجانب الفلسطيني، وبين منسق شؤون الحكومة في الضفة الغربية، بولي مردخاي، ومشاورات على مستوى مستشاريه ومقربيه، تقرر تقديم الطلب إلى الجانب الإسرائيلي الذي بطبيعة الحال أبلغ الجانب الفلسطيني الموافقة عليه.
الانتقادات من الفصائل، وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم تتأخر جرّاء هذا القرار، لكن مصدر فلسطيني يقول إن الحديث يدور عن خطوة إنسانية لافتا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتردّد قبل عدة أسابيع بالاتصال بالرئيس عباس وتقديم التعازي بوفاة شقيقه. واعترف المصدر أن تراجع التأييد للموقف الفلسطيني الذي يسعى إلى حشد تأييد المجتمع الدولي لمبادرة سلام يتم طرحها على مجلس الأمن. ولم ينكر المصدر الفلسطيني أن قناعة الجانب الفلسطيني بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لن يطرح أي مبادرة سلام على مجلس الأمن ساهم أيضا في اتخاذ القرار بتقديم طلب المشاركة في جنازة بيريس. وأشار المصدر إلى أن القيادة الفلسطينية أصغت جيدا لتصريحات مرشحي الرئاسة الأمريكية حول رفضهم لفرض حلول سياسية على الحكومة الإسرائيلية، خلال المناظرة الاولى التي جمعتهما، ليعي الجانب الاسرائيلي أن مسيرة تدويل ملف التسوية وصلت إلى طريق مسدود، وأن الجانب الفلسطيني سيضطر للعودة إلى مفاوضات ثنائية أو مرة أخرى برعاية الولايات المتحدة. وأكد المصدر أن كل هذه الاعتبارات السياسية كانت ثانوية، وأن الرغبة الفلسطينية كانت صادقة بمشاطرة عائلة بيريز والشعب الإسرائيلي في حزنهم على وفاة بيريس وإرسال رسالة أن القيادة الفلسطينية تعرف كيف تفرق بين السياسي والإنساني "الأمر الذي يفشل فيه الإسرائيليون المرة تلو الأخرى"
الانتقادات وحالة الاحتقان الشديدة في الرأي العام الفلسطيني لم تتوقف منذ مشارکة عباس فی عزاء بیریز، وكأن كل مواطن فلسطيني اعتبر الأمر شخصياً، وعبّر عن غضبه وانتقاده. لكن هذا الغضب لم يتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل غياب جذري لأي معارضة حقيقية فلسطينية، إذ لم تخرج أي مظاهرة أو وقفة احتجاج على الأقل، ولم يقم أي قيادي فلسطيني بإدانة واستنكار تعزية الرئيس بالسفاح.وتابع: "الأمر الآخر الذي يعكس الخسارة الكبيرة في خطوة القيادة هو أن الدول العربية التي تريد التطبيع مع إسرائيل تختبئ وراء الموقف الفلسطيني وتتسلح به، وتستخدم الأفعال الفلسطينية غطاء لها للتطبيع”.
ويعتبر شمعون بيريز أحد أبرز مؤسسيّ وداعميّ وجود الكيان الإسرائيلي منذ البداية، حيث ولِد بيريز في عام 1923 للميلاد، وإنتقل للعيش مع أسرته إلى فلسطين عام 1934، ومن ثم إنضم للعمل مع عصابات الهاجاناة الإسرائيلية عام 1947، وتقلّد العديد من المناصب السياسية الرئيسية في دولة إسرائيل على مدار مسيرته المهنية، ومنها رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العمل وإنتهاءً برئاسة الدولة، ويُنسب له العديد من النشاطات التاريخية المعادية للقضية الفلسطينية وللعرب، ويُذكر بأنه الذي قام على التخطيط والتوقيع على إتفاقية أوسلو عام 1993، والتي اعطت سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين في غزة والضفة، وتوفّي بتاريخ الثامن والعشرين من سبتمبر لعام 2016 عن عمر ناهز الثلاثة وتسعين عاماً.
المصدر: موقع البصیرة