ظل حتى وقت قريب التعاون الأميركي الروسي في افغانستان وآسيا الوسطى قائماً رغم وجود خلافات في أكثر من ملف حول العالم، لكن خلافات بدأت تظهر معالمها في أكثر من موقف وبالخصوص مؤخراً مع اعلان "اوباما" بأن قوات بلاده ستبقى في افغانستان إلى ما بعد العام 2016 بـ9800 جندي بعد أن كان مقراراً سحب كل القوات الأمريكية بإستثناء قوة صغيرة مقرها السفارة الأميركية في كابول.
ظل حتى وقت قريب التعاون الأميركي الروسي في افغانستان وآسيا الوسطى قائماً رغم وجود خلافات في أكثر من ملف حول العالم، لكن خلافات بدأت تظهر معالمها في أكثر من موقف وبالخصوص مؤخراً مع اعلان "اوباما" بأن قوات بلاده ستبقى في افغانستان إلى ما بعد العام 2016 بـ9800 جندي بعد أن كان مقراراً سحب كل القوات الأمريكية بإستثناء قوة صغيرة مقرها السفارة الأميركية في كابول.
الإعلان الأميركي على لسان "أوباما" قابله تشكيك روسي بعدم وجود جدية اميركية لتخفيف التوتر الحاصل هناك، فالجماعات الإرهبية هناك من حيث التعدد والإمكانات زادت ما بعد العام 2001 أي تاريخ احتلال امريكا لأفغانستان وحتى اليوم، حتى أن وجود لداعش بدأ يظهر، في هذا السياق سنحاول في هذا المقال عرض جملة من النقاط التي تشير إلى خلاف اميركي روسي حول الإستراتيجية المتبعة في افغانستان وبالتالي التنافس الحاصل بينهما والذي رشح بقوة مؤخراً، وعن الخلفيات وراء قرار التمديد للقوات الأميركية على الاراضي الأفغانية.
أولاً: يعتبر الجانب الروسي أن منطقة آسيا الوسطى بما فيها افغانستان بمثابة حدود أمنية لبلاده وبالتالي أي تهديد أمني يطال آسيا الوسطى هو بمثابة تهديد لها وبالتحديد من طرف طاجيكستان المتاخمة لحدودها مع افغانستان، وعليه فإن 15 عاماً من الإحتلال الأميركي لأفغانستان والذي نجم عنه تعزيز دور الجماعات الإرهابية فيه لا شك أنه يشكل خطراً من انتقال هؤلاء إلى سائر بلدان آسيا الوسطى وبالتالي إلى القوقاز الروسية، كل هذا خلق رؤية روسية من أن الدور الأميركي في افغانستان يثير الشكوك ولا يستند إلى وجود خطة واضحة، خاصة مع وجود آخبار تتناقل من مسؤولون أفغان عن وجود ارهابيين من طاجيكستان والشيشان انتقلوا إلى افغانستان وبدعم من القوات الأميركية بهدف خلق ما يسمى داعش لتوسيع نفوذهم مستقبلاً.
ثانياً: امام الواقع الموجود ترى روسيا ضرورة العمل وفق آلية تحفظ حدودها وأمنها في آسيا الوسطى، ولهذا تفضل العمل لتعزيز علاقاتها مع طاجيكستان والتي تمتلك على أراضيها المتاخمة لحدودد أفغانستان أكبر قاعدة عسكرية في آسيا الوسطى، هذا بالإضافة إلى المناورات والدعم الذي تقدمه للجيش الطاجيكي للتجهيز والتدريب وهو ما يعتبر وجهاً من وجوه المنافسة بين روسيا وأميركا، فهناك 1.2 ملسار دولار خصصها الكرملين لدعم الجيش الطاجيكي، كما وأن روسيا ترى في داعش ومثيلاتها المدعومة اميركياً خطراً مباشر بخلاف طالبان، وهذا ما دفع إلى ايجاد تعاون بينهما لتبادل المعلومات بخصوص مواجهة سائر التنظيمات الإرهابية التي بدأت تنمو بقوة على الساحة الإفغانية وخصوصاً في الفترة الأخيرة، وعليه فإن الإدارة الروسية تفضل العمل بصورة مستقلة عن التعاون مع اميركا لعدم اتضاح المخطط لدى الأخيرة ووجود شكوك حولها.
ثالثاً: تعتبر آسيا الوسطى مركز ثقل لإمدادات الغاز والنفط والمعادن والموارد الزراعية إلى الكثير من دول العالم، وبالتالي فإن السيطرة أو ايجاد ثقل في هذه المنطقة والممرات الإقتصادية فيها يسهل السيطرة على على صنع القرار في العديد من الدول المجاورة المستفيدة كالإتحاد الأوروبي والصين والهند وأميركا، هذا الأمر زاد من حدة التنافس والصراع الروسي الأميركي في آسيا الوسطى ككل وفي أفغانستان كمنطلق ومركز وبالخصوص مع عدم اتفاق وجهات النظر وتضارب المصالح بينهما. يضاف إلى ذلك سلسلة الخلافات التي لم ينتج عنها توافق بين البلدين حول العدديد من المسائل العالقة في جورجيا وأوكرانيا وروسيا، وبالتالي فإن الحاجة الروسية تتجه إلى عدم التورط في مشروع امريكي وصراع آخر لا اتفاق عليه، ولعل الخلاف الأخير حول سوريا كان له التأثير في توتر العلاقات بين البلدين وبالتالي جرّ هذا الخلاف الأمور إلى مناطق اخرى من دائرة نطاق التنافس.
رابعاً: لا شك أن من ضمن الأهداف الأمريكية لإحتلال افغانستان إلى الجانب الإقتصادي منه هو تطويق روسيا في منطقة آسيا الوسطى وما التعاون الروسي الأمريكي على مر السنوات السابقة في افغانستان إلا بهدف إيجاد ثقل روسي في افغانستان للحاجة والضرورة التي اقتضاها الدخول الأمريكي إليها، وبعد الفشل الأميركي الواضح في افغانستان وفي الشرق الأوسط أيضاً ومع وجود تنافس بين البلدين هنا وهناك، فإن قرار التمديد الأمريكي يأتي على الأرجح كرسالة أميركية لروسيا بأن الأولى لن تتخلى عن مصالحها ومناطق نفوذها، خاصة وأن "اوباما" وحزبه يواجه ضغوط سياسية داخلية وخارجية حيال ادارة الملفات، ولأن افغانستان تعتبر نقطة ساخنة من دائرة تصارع النفوذ فإن القرار الأميركي جاء، خاصة وأن لروسيا والصين مطامع في أي نقطة يظهر فيها الضعف الأميركي.
يضاف إلى ذلك أن قرب موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية وحاجة "اوباما" وحزبه للمزايدات على خصومه السياسيين وبالتحدبد مع تصاعد حدة الإنتقادات لإدارة أوباما مؤخراً، فإن قرار التمديد يأتي في هذا السياق أيضاً.
المصدر: الوقت