في زيارة مفاجئة، حط أول من أمس، اللواء المصري عباس كامل، في الخرطوم، في مشهد عكس التقدم على خط علاقات البلدين، وأكد أنّه ونظيره السوداني صلاح قوش باتا يمسكان بملف العلاقات الثنائية.
زيارة مفاجئة قام بها مدير مكتب الرئيس المصري ومدير المخابرات العامة بالإنابة اللواء عباس كامل، للخرطوم، أول من أمس، جاءت بدعوة من نظيره السوداني المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش، والتقى خلالها الرئيس عمر البشير، ووزير الدفاع عوض بن عوف، إضافة إلى وزير الخارجية إبراهيم غندور.
وعقب لقاء البشير، ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أنّه جرى التطرّق إلى «أهمية التواصل بين البلدين، وإلى العقبات التي تواجه المنطقة حتى لا توثر على العلاقة بين السودان ومصر». ووفقاً للبيانات الصادرة من السودان أيضاً، نقل عن عباس كامل أنّ «التحديات الكبيرة في المنطقة تفرض علينا التواصل وسرعة الاستجابة للأحداث والمواقف المختلفة ومعالجتها، حتى لا تتحوّل إلى معوقات تؤثر على العلاقة بين البلدين». وأشار كامل إلى أنّه «تم التوافق على اعتماد مبدأ الشفافية والصراحة والوضوح في كل الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، (مبدياً تفاؤله) في أنّ الأمور ستمضي في مسارها الصحيح».
وقد لاقت زيارة كامل وتصريحاته، ترحيباً سودانياً واضحاً، انعكس في إعلان وزير الدفاع السوداني أنّ «الأمن القومي المصري يمثل أمن الأمة، ومن الواجب حمايته».
السياق العام للزيارة المصرية واضح، إذ إنّها تأتي بعد أقل من أسبوع على عودة السفير السوداني لدى القاهرة إلى عمله، عقب نحو شهرين من الانقطاع بفعل توتر العلاقات بين العاصمتين. وهو مشهد «إيجابي» ناتج بمجمله من الاجتماع الرباعي الذي عقد في القاهرة في الثامن من شباط الماضي بين وزيري خارجية البلدين ومديري أجهزة الأمن والمخابرات، بتكليف من البشير وعبد الفتاح السيسي، بغية «مناقشة القضايا الثنائية العالقة»، وهو اجتماع أعاد الحياة إلى خط العلاقات الثنائية.
ومن المعروف أنّ العلاقات المصرية - السودانية، هي في يد الأجهزة الأمنية. ومن التفسيرات التي قدمت لزيارة عباس كامل أنّها تأتي «لإعطاء الزخم للمسار الجديد الذي بدأت العلاقات الثنائية تأخذه بعد مرحلة من الركود، فضلاً عن أنّها تعزز الغطاء الأمني للعلاقات الثنائية، وخاصة بعد وصول الثنائي كامل ــ قوش إلى منصبيهما في الأسابيع الأخيرة».
جدير بالذكر أنّ سلف صلاح قوش في السودان محمد عطا، أُقيل من منصبه بعد ثلاثة أيام من الاجتماع الرباعي في القاهرة. وفي حديث صحافي، يقول الباحث المتخصص في الشأن السوداني في «مجموعة الأزمات الدولية» أغنوس تايلور: «الاعتقاد الذي سمعته من مسؤولين في الخرطوم هو أنّ المدير السابق للمخابرات محمد عطا لم ينجح في إدارة العلاقة المصرية السودانية بكفاءة، وأن السودان تلقت شكاوى عديدة من المصريين بهذا الشأن».
من الجهة المصرية، ففي النصف الثاني من شهر كانون الثاني الماضي، أقال الرئيس المصري مدير المخابرات العامة خالد فوزي، في حدث بالغ الأهمية في سياقه المصري، وله عدة أبعاد، من بينها ما قيل عن «إخفاق الجهاز» في إدارته لملفّي العلاقات المصرية ــ السودانية وسدّ النهضة الذي تشيّده أثيوبيا.
ولصلاح قوش علاقات جيّدة بالقاهرة، تعود إلى العقد الماضي حين كان مسؤولاً عن الجهاز نفسه قبل إقالته من قبل البشير عام 2009، فيما يعدّ عباس كامل «اليد اليمنى» للسيسي، ولديه «رغبه أكيدة في تثبيت علاقات هادئة مع السودان، تحمي أمن مصر القومي»، كما يقول متابعون.
«الإخوان»: عودة إلى البدايات
تعيد الزيارة المصرية إلى الواجهة، ملفّ «إخوان مصر الموجودين في السودان» منذ مرحلة ما بعد «يونيو 2013» وعزل الرئيس محمد مرسي، وهو اتهام لطالما رفعته القاهرة في وجه السلطات السودانية خلال الأعوام الماضية. إلا أنّ الجانب السوداني ينفي هذا الأمر، فيما يدرجه متابعون عن قرب للملف في خانة «الضغوط المصرية»، مضيفين أنّ هذا الملف «يعود بالأصل، إلى الأجهزة الأمنية بين البلدين، فضلاً عن ارتباطاته الإقليمية».
وعلى الجانب المصري، يجمع معظم المتابعين المصريين للشأن السوداني، في حديثهم إلى «الأخبار»، على أنّ وجود «إخوان مسلمين في السودان ملف أمني، ومن الصعب إثباته أو نفيه». وإلى جانب ذلك، تتساءل مصادر سودانية رفيعة لدى حديثها إلى «الأخبار»: «لو كان هناك إخوان مصريون في السودان، وفي حقّهم أحكام قضائية مصرية، فلماذا لم تقدّم لنا القاهرة قائمة بأسمائهم؟». وتضيف المصادر أنّه «لو قدمت لنا القاهرة قوائم، فكان يمكن في حينه اتهامنا بإيواء معارضين لها أو حتى إرهابيين». وتكرر ما سبق قوله علناً من جانب السلطات السودانية، في إشارة إلى «الطلب السوداني إلى القاهرة بتكوين قوات مشتركة لمراقبة الحدود»، إلا أنّها تضيف أنّ صمت القاهرة حول هذه النقطة «يعطي انطباعاً بأنها لا تريد، وهذا غريب بالنسبة إلينا ويحمل تفسيرات كثيرة».
من جهة أخرى، تقول مصادر «إخوانية» في حديث إلى «الأخبار» إنّ «معظم الموجودين في السودان هم طلبة يدرسون في الجامعات السودانية، بالإضافة إلى بعض الأفراد والأسر»، مستدركة: «أما بما يخصّ القيادات، فلا توجد قيادات إخوانية بارزة في الخرطوم حالياً». وتوضح أنّه في مرحلة سابقة، كان في الخرطوم «القياديان البارزان في الجماعة: حلمي الجزار وأسامه البحيري، لكنهما خرجا... أما الآن، فلا يوجد إلا اثنان من نواب مجلس الشعب المصري السابق، وهما من قيادات وسيطة وليست بارزة، علماً بأنّهما يرتبان أوضاعهما في هذه الأيام للخروج أيضاً».
«سدّ النهضة»: قلق مصري
إذا كان ملف النزاع الحدودي بشأن مثلث حلايب، حاضراً، وجاهزاً للاستخدام من قبل الخرطوم كلما دعت الحاجة «الدبلوماسية» إلى ذلك، فإنّ ملف «سدّ النهضة» عرف قبل أيام مساراً جديداً، إثر الكشف عن أنّ إثيوبيا أرسلت إلى القاهرة «رسمياً» في نهاية الشهر الماضي «خطتها لملء خزان السدّ، وذلك بعد مسارات معقّدة من المفاوضات الفنية والسياسية، استمرت طوال السنوات الأربع الماضية، وتمحورت حول ما يثيره الأمر من اعتراضات واسعة داخل الإدارات المصرية المعنيّة» (الأخبار، العدد ٣٤٠٨). وفي هذا الصدد، فإنّ زيارة عباس كامل، تنقل بشكل رئيسي «قلق القاهرة» إلى السلطات السودانية التي «لها مخططاتها أيضاً بما يخصّ مياه النيل، ولطالما انحازت إلى الطرف الإثيوبي في خلال المفاوضات الثلاثية»، كما تقول أطراف مصرية، وهو ما تنفيه الخرطوم. وتؤكد مصادر أنّ ملف «النهضة»، هو الذي عجّل في زيارة كامل للخرطوم.
«تجربة تشاد»
شدد وزير الدفاع السوداني في البيان الصادر عنه، على «أهمية التنسيق وتبادل المعلومات لحماية الحدود، واستلهام تجربة القوات المشتركة السودانية - التشادية كنموذج حقق نجاحات مقدرة في جوانب متعددة»، في إشارة إلى الاتفاق الموقع عام 2010 الذي يسعى إلى تأمين الحدود ومنع «دعم أي حركات تمرّد». برغم أنّ هذا الإعلان ليس بجديد، لكن جدير بالذكر أنّه ثمة أحاديث أميركية حالية بشأن ليبيا، تقول إنّه «يجب إنشاء منطقة عمليات تجمع الأميركيين، الفرنسيين، والمصريين، هدفها منع انتقال مجموعات جهادية من السودان عبر التشاد باتجاه الجنوب الليبي».
المصدر: الأخبار