كان الاتفاق الروسي الاسرائيلي المتعلق بالجنوب السوري قد اكتمل وينتظر التنفيذ على الارض، والذي تلخصت خطوطه العامة بانتشار وحدات الجيش العربي السوري وعودة سلطة الدولة السورية حصراً، أمنياً وادارياً وعسكريا في كامل المناطق الجنوبية.
الا انه يبدو أن هناك بعض التأخير الذي ظهر، لناحية إضافة الدولة السورية بعض الشروط الميدانية، في وقت يتمسك كيان العدو بتنفيذ الاتفاق دون تأخير.
الكيان الاسرائيلي يريد هذا الاتفاق كما برز بخطوطه العامة وذلك للأسباب التالية:
– لقد فقد الكيان هامش المبادرة في عرقلة تقدم الجيش السوري وتفوقه الميداني جنوبا، وذلك بعد أن عجزت المجموعات المسلحة التي رعاها عن الصمود، ونقطة الفصل الحاسمة في ذلك كانت تحرير بيت جن وفك الحصار عن حضر، الامر الذي مكن الجيش العربي السوري من امتلاك نقطة ارتكاز جدا حيوية على تخوم الجولان المحتل من الناحية الشمالية الغربية، والتي هي عمليا بوابة الضغط على مواقعه الاستراتيجية في مرتفعات جبل الشيخ، كما أنها نقطة ربط مهمة لمحور المقاومة بين مداخل مزارع شبعا اللبنانية ومواقع الجيش في الاراضي السورية.
– مع تحرير كامل الوسط السوري مع أغلب مناطق محافظة حمص، توفر لدى الجيش العربي السوري قوى ضخمة، أصبحت حاليا محررة من أي عبء ميداني، وبالتالي هي جاهزة للدفع والضغط جنوبا، الامر الذي أفقد الكيان الاسرائيلي القدرة على المواجهة عبر تلك المجموعات بطريقة غير مباشرة.
– من جهة اخرى، يبدو أن كيان العدو سحب من التداول أي احتمال لاقدامه على المواجهة المباشرة، ذلك بعد آخر استهداف تعرضت له وحداته ومواقعه في الجولان المحتل، وهو حتى الان لم يستطع تحديد الجهة التي نفذته، أكانت سورية أم ايرانية أم حزب الله، وربما ايضا لم يستطع حتى الان تحديد نقاط انطلاق الصواريخ التي استعملت في العملية او حتى نوعها، وما يعلمه فقط هو أن مواقعها الاكثر حساسية وخصوصية في معركتها الدفاعية الواسعة، قد تعرضت بطريقة دقيقة وفعالة، وذلك بعد ان تم اكتشافها، والتي كان من المفترض ان تبقى سرية، كونها خاصة بالرصد والتنصت والتصوير والمراقبة. وحيث ان هذه المواقع تلعب دورا رئيسا في تقوية منظومة الكيان "الدفاعية” ومدّ وحداته بالمعطيات الاستعلامية الاساسية والضرورية، بدت وخلال لحظات غير متوقعة، خارج المعركة وبالتالي، انكشفت جبهته الدفاعية التي اصبحت غير متماسكة ومعرضة للاختراق بشكل واسع.
– هذا الانكشاف الميداني والعسكري لجبهة الجولان المحتل، يضاف اليه ما فرضه محور المقاومة من خطوط حمر ومن معادلة جديدة بعد تنامي قدرات هذا المحور على صعيد منظومة الدفاع الجوي، كل ذلك دفع الكيان الاسرائيلي للبحث عن مناورة "مخرج”، تعيده الى خطوط وقف النار والهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي تعتبر أن الجيش السوري ملتزم بها وبالتالي سيؤكد التزامه بها بعد تنفيذه انتشارا كاملا في الجنوب حتى الحدود مع الاردن ومع الجولان المحتل، ومن ناحية أخرى، فإن هذا المخرج يبعد خطر حلفاء سوريا – وفق النظرة الاسرائيلية – والذين يلتزمون بمناورة الدولة السورية.
– لناحية سوريا ومحور المقاومة، يمكن اعتبار الاتفاق مناسباً من الناحية العسكرية والاستراتيجية، فهو يشكل مرحلة اساسية ومهمة وضرورية في طريق اكتمال بسط سلطة الجيش العربي السوري على كامل الجغرافيا السورية، ويعيد هذا الجيش للامساك بكافة المعابر الممكنة (مع الاردن فقط)، وضبط كامل الحدود الجنوبية، شرقاً مع الاردن وغربا مع الجولان المحتل، ولكن يبقى هذا الاتفاق بحاجة لاضافة النقطة الاكثر حساسية من الناحية الاستراتيجية، وهي الانسحاب الاميركي من التنف، والتي كانت النقطة التي اشترطتها مؤخرا الدولة السورية للسير بهذا الاتفاق.
– تكمن أهمية الانسحاب الاميركي من قاعدة التنف لاكمال الاتفاق، انها كانت وما زالت القاعدة الاميركية الاكثر تأثيرا على مجريات الاعمال العدائية، وكانت تُكلِّف بها المجموعات المسلحة الارهابية ضد الجيش العربي السوري وحلفائه، نأخذ مثلا تلك الاعمال التي كانت تجري لمصلحة تلك المجموعات في الغوطة الشرقية قبل تحريرها وفي القلمون الشرقي، والأعمال التي طالما نفذتها تلك المجموعات باستهداف مواقع الجيش وحلفائه في البادية، وفي أرياف دير الزور الجنوبية الغربية، ما بين حميمة والمحطات المحيطة بها، وامتداد الى طريق تدمر- السخنة – دير الزور.
– لا شك أن غرفة عمليات الجيش العربي السوري، عندما تضع الانسحاب الاميركي من التنف شرطا أساسا في الاتفاق، تُدرك ما هي الامكانيات التي تؤمنها قاعدة التنف للارهابيين، في الضغط بكافة الاتجاهات، ومنها طبعا الجنوبية الغربية باتجاه الحدود مع الاردن، خاصة ان هؤلاء الارهابيين كانوا دائما يستفيدون من قوات التحالف الاميركي، بوسائل نقل جوية فعالة وغير مكشوفة تضعهم بسرعة حيث يريدون، ومزودين بمعلومات استخبارية دقيقة عن مواقع الجيش وحلفائه وعن حركة دورياته ونقاط كمائنه.
من هنا، يمكن القول ان الاتفاق الروسي – الاسرائيلي ينتظر الرد على طلب انسحاب الوحدات الاميركية من التنف، وحيث ان مصلحة كيان العدو تكمن في سريان الاتفاق كما ذكرنا اعلاه، ولأكثر من سبب، لا شك ان الاخير قد يسعى لاشراك الاميركيين في الاتفاق لناحية تنفيذهم شرط الدولة السورية، كما ان سوريا واستنادا لما اصبحت تملكه من الناحية الميدانية والعسكرية، لمصلحة قدرتها الاكيدة على تحرير الجنوب السوري، من الطبيعي انها تتمسك بشرطها الاخير حول التنف، بانتظار الرد الاميركي.