في قراءة بسيطة لتصريحات المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين منذ خمس سنوات وحتى الآن ستكتشف عزيزي القارئ أن تلك البلاد تعيش أكبر حرب سرية يشهدها القرن الجديد، نعم إنها حرب "التجسس والجواسيس"، طبعاً هذا الكلام ليس بالجديد على تلك البلاد التي لا تجمعها سوى المصالح التي على ما يبدو أنها ستنهار في ظل تسارع فضائح التجسس فيما بينهم.
المعلومات عن هذا الموضوع تُفيد بأن أمريكا تتجسس على ألمانيا، وألمانيا تتجسس على النمسا وبلجيكا، وروسيا تتجسس على أوروبا، و"إسرائيل" تتجسس على أمريكا، بينما تتجسس كل من بريطانيا وأمريكا على "اسرائيل"، دوامة من التجسس تشبه "كرة الصوف" التي لا تعرف أين رأس الخيط فيها، وهذا يشي لنا بأن الثقة بين الأوروبيين والأمريكيين، وبين الأوروبيين أنفسهم تشهد "أزمة ثقة" تتفاقم يوماً بعد يوم، وكانت أولى نتائجها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحالياً تمثّل ألمانيا صمّام الأمان في هذا الاتحاد ولكن "سمعتها" اليوم ليست جيدة في ظل كثرة التقارير الاستخباراتية التي تُفيد بأنها تتجسس على جيرانها؛ النمسا آخرهم.
ألمانيا تتجسس على النمسا وبلجيكا
يوم أمس السبت طالبت الحكومة النمساوية ألمانيا بتقديم توضيحات حول تقارير صحفية اتهمت الاستخبارات الألمانية بالتجسس على مؤسسات وشركات نمساوية، بينها سفارات ومنظمات دولية، في المقابل بدأ البرلمان الألماني التحقيق في الاتهامات.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أعرب الرئيس النمساوي ألكسندر فون دربيلن عن أمله في الحصول على "توضيحات كاملة" من قبل ألمانيا، بينما طلب المستشار النمساوي سباستيان كورتس من برلين "تعاوناً جيداً".
وقال دربيلن إن "التجسس من دول صديقة ليس فقط نادراً وغير مرغوب فيه، بل هو أمر غير مقبول.. ومثل هذه الأعمال تعيد طرح مسألة الثقة بين الدول على المدى الطويل"، بينما أبدى المستشار حذراً أكبر، مذكّراً بأن ألمانيا "شريك مهم".
وفي هذا السياق قالت صحيفتا "بروفيل" و"ستاندارد" إن الاستخبارات الألمانية تجسّست بين عامي 1999 و2006 على نحو ألفي رقم هاتف وعناوين إلكترونية لوزارات ومنظمات دولية وسفارات وشركات ومؤسسات إسلامية وأفراد يشتبه في صلتهم بالإرهاب وتجار سلاح.
وفي منتصف العام 2015 فتحت السلطات البلجيكية، تحقيقاً بعد ورود معلومات حول تسجيل أجهزة الاستخبارات الألمانية طوال سنوات بيانات عن عدة دول أوروبية، حسب أعضاء في الحكومة.
وحسب معلومات أوردتها الصحف، فإن أجهزة الاستخبارات الألمانية تجسّست وراقبت مسؤولين سياسيين أوروبيين كباراً لحساب وكالة الأمن القومي الأمريكية.
روسيا تتجسس على بريطانيا
في مارس من العام الحالي هزّت فضيحة محاولة اغتيال جاسوس روسي في إنجلترا، عرش العلاقات الروسية - الأوروبية عموماً، والروسية - البريطانية خصوصاً، واعتبرت حينها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أن ما تفعله روسيا يهدد أوروبا بأكملها.
بدأت بعد هذه الحادثة أزمة دبلوماسية بين البلدين، حيث سارعت لندن إلى طرد 23 دبلوماسياً روسيّاً يعملون في بريطانيا، وأعلنت مقاطعة رسمية لكأس العالم الذي يجري حالياً في روسيا، وردّت روسيا بطرد عدد مماثل من الدبلوماسيين البريطانيين في موسكو.
"إسرائيل" تتجسّس على أمريكا
قبل أربعة أعوام من الآن انتشرت تقارير أمريكية حول تجاوز "إسرائيل" للخطوط الحمر في علاقتها مع واشنطن، حيث تحدثت تقارير استخباراتية أمريكية بأن "إسرائيل" تتجسّس على الحكومة الأمريكية، واعتبر حينها مسؤولون أمريكيون بأن "إسرائيل" تمادت كثيراً بمحاولاتها التجسس في أمريكا.
وبحسب التقارير، فإن التجسس الإسرائيلي في أمريكا يرتكز على الأسرار الصناعية والتكنولوجية الأمريكية، ويتم من خلال مكاتب تغطية والتي على ما يبدو تُستخدم كممثليّات تجارية في أمريكا بينما في الحقيقة هي تُستخدم للتجسس على أسرار صناعية وتكنولوجية أمريكية.
أمريكا تتجسس على الجميع
كشفت وثائق سرية سرّبها إدوارد سنودن المستشار السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية لمجلة دير شبيغل الألمانية وفيها أن عدة أجهزة أمنية أمريكية تجسّست على مسؤولين أوروبيين وعلى مكاتبهم في واشنطن ونيويورك إلى جانب التسلل إلكترونيا إلى مقرّ الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
كما شملت أعمال التجسس الأمريكية ملايين الاتصالات والعمليات الهاتفية والإلكترونية في أوروبا وخاصة ألمانيا التي كانت منظومة الاتصالات فيها على رأس أهداف الأجهزة الأمنية الأمريكية.
وفيما بعد تصاعدت أزمة التجسس الأمريكية على الدول الأوروبية، لتصل إلى حدّ طلبت فيه ألمانيا توضيحاً سريعاً لمدى صحة أحدث التقارير عن أنشطة تجسس أمريكية على تليفون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إنه يأمل في أن تتعاون واشنطن.
وتتجسس أمريكا أيضا على "إسرائيل" وخاصة على سلاح الجو الإسرائيلي، وبحسب وثائق مسرّبة تناولتها وسائل الإعلام يعود ذلك إلى 18 عاماً، ووصف هذا الأمر القادة الإسرائيليون بأنه أشبه بـ"بالزلزال، والهزّة الأرضية الأخطر التي ضربت جهاز الاستخبارات منذ قيام إسرائيل".
ختاماً.. لا معنى لقيمة الثقة في قاموس العلاقات الغربية، حيث ينتهز أي طرف الفرص للتجسس على حلفائه مهما كانوا قريبين أو بعيدين، ورغم اتباعهم النظام الرأسمالي إلا أن هناك أشبه بما يسمى بـ"اشتراكية" تجسسية حيث يتجسس الجميع على الجميع.
هذا الأمر إن دل على شيء إنما يدل على التحالفات الهشّة، حتى أن الاتحاد الأوروبي هدفه مواجهة أمريكا والصين قبل أن يكون هدفه الاتحاد مع الجيران.
المصدر: الوقت