برأ القضاء في البحرين الامين العام لجمعية الوفاق البحرينية المعارضة المنحلة، الشيخ علي سلمان من تهمة التخابر مع دولة قطر. حكم لم يكن متوقعا، لان المنظمات الدولية والحقوقية وحتى الامم المتحدة، تتهم القضاء في البحرين بغير العادل ولا القانوني وانه مسيس، وخاضع لقرارات ملك البلاد الذي يستخدمه كاداة لقمع المعارضة.
ومن هذه المنظمات العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والامم المتحدة التي ادانت المقرّرة المعنيّة بالإعدام فيها (أجنس كالامارد)، تنفيذ احكام باعدام السلطات البحرينيّة بثلاثة شبان من المعارضة في 14 يناير/ كانون الثاني 2017، وقالت،" ان التهمة جاءت بعد اعترافات بالإكراه وتعرّضهم للتعذيب، ومحاكمات غير عادلة" ووصفت الاعدام "بمثابة قتل خارج نطاق القانون".
بدروها وصفت منظمة العفو الدولية خبر تبرئة سلمان بانه أحد الأخبار «النادرة والجيدة» التي تأتي من البحرين في اشارة الى سجل القضاء البحريني، لا يأتي بمعظمه الا بالاخبار السيئة.
تعود قضية الشيخ سلمان الى العام 2011 عندما انطلقت الثورة في البحرين على غرار ما يعرف بثورات الربيع العربي. من ضمن جمعيات المعارضة التي انطلقت انذاك، جمعية الوفاق وهي اكبر الجمعيات شعبية ويقودها الشيخ سلمان. مطالب الجمعية ركزت على عدة نقاط اساسية هي سلمية الحراك، عدم اسقاط النظام واستبدال الملكية الحالية بملكية دستورية.
وباعتبار الوفاق اكبر الجميعات،اعتبر زعميها الشيخ علي سلمان زعيم المعارضة، وقامت قطر ممثلة برئيس الحكومة انذاك حمد بن جاسم، وبمباركة من الولايات المتحدة الامريكية وملك البحرين حمد بن عيسى ال خليفة، بوساطة بين المعارضة والملك، لايجاد تسوية. كادت التسوية ان تصل الى نتيجة، لولا ان تدخلت السعودية - عبر درع الجزيرة الذي دخل البحرين مع بداية الثورة- وارتكبت مجزرة - بحسب وصف بن جاسم- بحق المعتصمين في دوار اللؤلؤة وسط المنامة دون ان تعلم الملك بحسب بن جاسم الذي قال في مقابلة مع قناة الجزيرة انه كان عند المكل يجري اتصالت مع الشيخ سلمان وان الاجواء كانت ايجابية عندما وصل خبر المجزرة ما ادى الى فشل الوساطة. واشار بن جاسم الى ان الاتصالات كانت تجري من داخل قصر الملك وبالتنسيق معه. بما يعني ان الاتصالات لم تكن سرية كما ادعى الادعاء العام في البحرين.
منذ ذلك العام اي 2011 لم توجه الى الشيخ سلمان اي تهم بالتخابر مع قطر، بل في العام 2015 حكم القضاء على سلمان بالسجن اربع سنوات، بتهم "التحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام، والتحريض علانية على عدم الانقياد للقوانين وتحسين أموراً تشكل جرائم، وعن إهانة وزارة الداخلية بوصف منتسبيها بالمرتزقة وزعم انتماء بعضهم إلى تنظيمات إرهابية". واسقطت عنه تهمة محاولة اسقاط النظام.
لم توجه للشيخ سلمان ومعه الشيخ حسن سلطان والنائب السابق علي الاسود، تهمة التخابر مع قطر، الا في 27 \10\2017، اي بعد نحو ثلاثة اشهر على قطع كل من البحرين والسعودية والامارات ومصر العلاقات مع قطر في5 \7\2017 بذريعة حماية أمنها من مخاطر الإرهاب والتطرف الاتي من قطر. بما يعني ان اتهام التخابر محض مسيس، والا لماذا سكت القضاء البحريني على ذلك نحو سبع سنوات (من 2011الى 2017)، حتى وجه الاتهام؟ خاصة وان التهمة ليست صغيرة بل كبيرة وحكمها قد يصل الى الاعدام وهي 'التخابر مع دولة قطر' من أجل 'القيام بأعمال عدائية داخل البحرين والإضرار بمركزها الحربي والسياسي والاقتصادي ومصالحها القومية والنيل من هيبتها واعتبارها في الخارج" 'بقبول مبالغ مالية من دولة أجنبية مقابل إمدادها بأسرار عسكرية ومعلومات تتعلق بالأوضاع الداخلية بالبلاد'.
حتى عندما حلت سلطات البحرين جميعة الوفاق في 14\6\2016 لم تأت على ذكر التخامع قطر.
على كل فان حكم البراءة، لم ينه محاكمة الشيخ سلمان الذي تنتهي فترة سجنه الحالية اخر العام الجاري، بل لدى الادعاء فرصة للاستئناف، واذا قبلت المحكمة الاستئناف، فان امكانية اعادة توجيه التهمة ممكنة، وهذا يعيد شبح الحكم الاعدام ليخيم عليه من جديد .
قال المستشار القانوني إبراهيم سرحان، ان هناك 118 ثغرة قانونية في ملف محاكمة سلمان لم تاخذ فيها المحكمة سابقا، واكدت المنظمات الدولية الحقوقية او الانسانية على مختلف مسمياتها، ان الشيخ سلمان سجين راي وطالبت بالافراج عنه فورا، واعتبرت الاستمرار في سجته امر مخالف للقوانيين الدولية، وهذا ما ينطبق على 4700 سجين راي في البحرين بحسب هذه المنطمات.
يقرأ المتابعون حكم البراءة بتحليلات عدة. بينها:
خديعة ومناورة تحاول سلطات من خلالها تبيض وجهها امام الرأي العام الدولي والمنظمات الحقوقية، والهدف اظهار ان القضاء مستقل وغير مسيس، وهو اتخذ حكم البراءة دون تدخل من النظام. واذا عاد ووافق على الاستئناف، واصدر حكما، فلا يقولن احد ان القضاء مسيس.، ولا ترحبوا اليوم بالبراءة وغدا تحتجون على حكم اذا صدر.
يرى بعض اخر، ان النظام قادم على انتخابات تشريعية بعد نحو شهرين تقريبا، ويحتاج الى شرعية شعبية لها، وببراءة سلمان، يمكن ان تتعاطف شريحة شعبية من المعارضة مع النظام وتشارك في الانتخابات التي قررت قوى المعارضة - التي تشكل نحو 75 % من البحرينيين، وبينها جمعية الوفاق، مقاطعتها.
وهنا تبرز توجهات:
الاول يقول ان النظام سيحكم على سلمان بعد الانتخابات
الثاني يقول ربما يسعى النظام من خلال حكم البراءة الى اعادة فتح قناة الحوار مع المعارضة عبر اهم شخصية فيها وهي الشيخ سلمان، بعد ان قطعها النظام نفسه منذ العام 2011. ويستند اصحاب هذا التوجه الى المبادرة التي اطلقتها قبل نحو اسبوعين، جمعية الوفاق بزعامة سلمان، من خلال ما اسمي "اعلان البحرين" لحل الازمة السياسية في البلاد , ويستمد الاعلان بنوده جميعها من مبادئ القانون الدولي المتعلقة بحق المواطنة وحرية الراي والتعبير والعلاقة بين النظام المواطنيين.
الثالث يقول، ان النظام لا يريد شرعية للانتخابات ولا تسوية وحوار، بل يسعى الى برلمان ضعيف هزيل، دوره تنفيذ ما يمليه عليه الملك، لان النظام مقبل على خطوة استراتيجية كبيرة تتمثل في تطبيع العلاقات مع "اسرائيل"، فاذا كان البرلمان قويا وممثِلا فعليا للشعب، فلن يقبل بالتطبيع لان المعارضة التي تشكل الغالبية العظمى من البحرينيين، ترفض التطبيع، اما اذا كان المجلس ضعيفا ومن سنخ النظام، فلن يكون لديه مشكلة في التطبيع. ويستدل اصحاب هذا الراي على ذلك ، بالاشارة الى قرار ملك البحرين منع اعضاء الجمعيات المعارضة من المشاركة في الانتخابات ترشيحا، بالاضافة الى انه لن تكون لدى النظام مشكلة بشان نسبة الاقتراع لتوفير الشرعية للانتخابات، لان بامكانه فبركة رفع النسبة كما حصل في الانتخابات السابقة التي قاطعتها المعارضة ايضا، بسبب قانون الانتخاب الذي جاء مفصلا على قياس النظام، بحسب المعارضة ومنظمات حقوقية .
تجدر الاشارة الى ان البحرين بدأ وهو مستمر في عمليات التطبيع مع "اسرائيل" من خلال اتصالات معلنة وغير معلنة ووتصريحات اعلامية رسمية وزيارات متبادلة بين الطرفين على مستويات مختلفة وسط تسريب وسائل الاعلام الاسرائيلية نقلا عن مصادر مسؤولة، بان البحرين ستكون اول دول خليجية تطبع مع " اسرائيل"، باعتبارها المطبخ والمختبر، لتصبيع السعودية مع "اسرائيل" ايضا.
الرابع يتوقع ان يكون النظام قد اجرى صفقة مع الشيخ سلمان من خلال حكم البراءة، تقضي بتقديم الاخير تنازلات ما، وهذا التوقع نفته جميعة الوفاق جملة وتفصيلا، واكدت على ثوابتها في المطالب . وقال مسؤول فيها ان الشيخ سجن اربع سنوات ولم يقدم اي تنازل ولن يقدم، ما يمكن تقديمه قدم من خلال اعلان البحرين.
المصدر: العالم