يبدو أن اختيار واشنطن نقطة التنف قاعدة عسكرية أميركية في الخاصرة الجنوبية الشرقية لدمشق، هو لدور تقوم به كما جرى سابقاً وكما جرى راهناً في مجزرة السويداء الأخيرة. المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن يكتسب أهمية استراتيجية كونه يُشكل عقدة مواصلات إقليمية تربط دول بلاد الشام (لبنان وفلسطين وسوريا والاردن والعراق) بالجزيرة العربية، كما تصلها بإيران . ومنه يمكن لواشنطن أن توجه ضربات موجعة في الداخل السوري أو العراقي.
هذه القاعدة الأميركية في التنف، اتخذتها دوماً الفصائل المسلحة مثل أسود الشرقية، جبهة الأصالة، مغاوير الثورة، ولاحقاً جيش سوريا الجديد المدعومة من غرفة الموك في الأردن، لعملياتها في دمشق وحصار دير الزور إضافة إلى الهجوم على تدمر بين عامي 2013 حتى عام 2016. وهو ما كشف دور القاعدة الأميركية في تأمين حماية الجماعات المسلّحة في السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع الأردن والعراق، كما مهدت في فترة سابقة لخلق منطقة نفوذ تصل شرق الفرات بالبوكمال وصولاً إلى درعا.
مع تقدم الجيش السوري في البادية، ونجاحه في الوصول إلى الحدود مع العراق، تراجع دور القاعدة الأميركية، كما فشل المشروع الأميركي بوصل شرق الفرات بدرعا إلى الجولان المحتل. ومع تحجيم دور قاعدة التنف بات تأثير الفصائل المسلحة فيها محدوداً، نظرا لأنها باتت محاصرة من قبل الجيش السوري.
دور التنف لم ينته في ظل تعقيدات الحرب السورية و أولوية الجبهات. هنا استغلت القوات الأميركية واقع الحرب، لتفرض ما أسمته منطقة آمنة، بمسافة خمسين كيلو متر في محيط التنف.
في هذه المنطقة أعادت واشنطن تدوير الفصائل المسلحة، فنقلت "جيش سوريا الجديد” إلى شرق الفرات وجرى الترويج أن أميركا تتجه لتسليم التنف للدولة السورية لكن الوقائع اتجهت عكس ذلك فشكلت التنف بعد تحرير البوكمال نقطة انطلاق لمجموعات "داعش”، في الاعتداء على نقاط الجيش السوري وحلفائه في البادية من البوكمال إلى دير الزور وتدمر.
على مدار 6 أشهر تعرضت نقاط الجيش السوري وحلفائه إلى اعتداءات دامية، كان آخرها الهجوم على نقاط في تدمر التي قتل فيه نجل البغدادي. لكن ملاحقة الجيش السوري فلول "داعش” توقفت عند حدود المنطقة المحددة كمنطقة آمنة في التنف، بعد دخول مسلحي التنظيم إلى المنطقة. ولم تعترض القوات الأميركية دخولهم إلى التنف ولم يتمكن الجيش السوري من استكمال مطاردتهم، فباتت التنف غطاء آمناً "لداعش” في البادية السورية. هذا ما دفع الخارجية الروسية لتشبيه التنف "بالثقب الأسود”، لما يتلقاه "داعش” من غطاء أميركي، يضمن له عدم تعرضه لقصف أو مطاردة من الجيش السوري وحلفائه.
غاب دور قاعدة التنف عن بعد انكشافها في حماية "داعش" ليظهر مجددا في المجزرة التي ارتكبها "داعش” في قرى ومدينة السويداء. المجزرة تستهدف سيطرة "داعش" على السويداء، ما يعيد رسم التوازنات في الجنوب السوري، من خلال وصل السويداء، بمناطق تواجد "داعش" في ريف القنيطرة الجنوبي قرب الحدود مع الجولان المحتل.
وهو ما يبرر بقاء القوات الأميركية في سوريا لمدة أطول، ويقطع الطريق على مطالب روسية كانت قد دعت واشنطن للخروج من التنف، وأكدت أنه لم يعد من مبرر لوجود قوات أميركية في سوريا بعد معركة الجنوب السوري. فالمطالبة الروسية تدعو إلى "إذا لم تدخل واشنطن في المساعدة على عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، عليها أن تترك الأراضي السورية”.
الهجوم على السويداء، جاء بعد أقل من 24 ساعة على التصريحات الروسية. حيث انطلق مسلحو "داعش” من المنطقة الآمنة التي تحميها واشنطن في محيط التنف، ودخلوا عند الفجر إلى قرى ريف السويداء الجنوبي الشرقي ومنه الى المدينة. فمجزرة السويداء وقعت بعلم واشنطن التي ترصد أجهزتها وطائراتها أدق التحركات في المنطقة ولم يغب عن أعينها تحرك أكثر من ألف مسلح من "داعش” بأسلحتهم وآلياتهم.
مجزرة "داعش" في السويداء تؤكد مشاركة واشنطن كما أشار بيان حزب الله في إدانته المجزرة. وهي تشير إلى أن واشنطن تتجه في اتجاه العودة لاستخدام "داعش” انطلاقاً من التنف، كما يعكس الهجوم خلافاً مع روسيا التي طالبت بخروج أميركا من التنف.
المصدر: الميادين