عندما تنشر القيادة العسكرية الروسية في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية على مواقعها في وسائط التواصل الاجتماعي بيانا رسميا تؤكد فيه "ان روسيا ستدعم أي تحرك عسكري للجيش العربي السوري ضد القوى الغربية المتواجدة على الأراضي السورية بشكل غير شرعي بما في ذلك القوات التركية"، فأن هذا يعني امرين أساسيين:
ـ الأول: ان الشراكة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية تتفكك على قاعدة الخلافات حول كيفية التعاطي مع الوضع في ادلب، فإيران وروسيا تؤيدان الهجوم لاستعادة المدينة، وتركيا تعارضه.
ـ الثاني: ان احتمالات المواجهة السورية التركية والروسية التركية باتت حتمية، الا اذا حدثت معجزة، فبيان قاعدة حميميم يقصد القوات التركية تحديدا في ادلب، حيث لا توجد أي قوات غربية فيها.
***
ما دفع قيادة القاعدة الجوية الروسية لإصدار هذا البيان في اعتقادنا هو إرسال القيادة التركية 400 عنصر من القوات الخاصة بعتادهم الثقيل الى المدينة لتعزيز 12 نقطة مراقبة تركية فيها، ومن المتوقع ان يرتفع الرقم الى اكثر من 4000 جندي في الأيام القليلة الماضية، في تحد واضح للرئيس بوتين، واستعداد لمواجهة أي هجوم روسي سوري.
الرئيس رجب طيب اردوغان الذي بدا وحيدا في قمة طهران الثلاثية في مواجهة التطابق في وجهتي النظر الروسية الإيرانية، فهم جيدا الرسالة التي وردت على لسان حليفه بوتين وقال فيها "ان الرئيس السوري بشار الأسد يجب ان يسيطر على حدوده مع تركيا كاملة"، مما يعني تكرار ما حدث في جنوب سوريا (درعا ومعبر نصيب)، بفضل الدعم الروسي، أي لا مكان لأي قوات تركية على الاراضي السورية الشمالية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن السبب الذي دفع الرئيس بوتين لتصعيد الخلاف مع حليفه التركي بهذه الحدة في قمة طهران، ورفض التجاوب مع طلبه بوقف لإطلاق النار كبديل للهجوم الشامل لإعطاء الفرصة لحل سياسي يجنب المدينة (ادلب) كارثة إنسانية.
اكثر التفسيرات منطقية في نظرنا ذلك الذي جاء على لسان الكاتب التركي الشهير جنكيز كاندار، والذي يقول بأن الرئيس بوتين ادرك ان الهوة بين تركيا والغرب وصلت الى مرحلة يصعب تجسيرها، وان الرئيس اردوغان لا يستطيع ان يقدم على خيار الصدام مع موسكو خاصة في ظل الازمة المالية والاقتصادية الحالية في بلاده، واعتماده الكامل على النفط والغاز القادمين من ايران وروسيا، مضافا الى ذلك ان طريق العودة الى واشنطن بات مغلقا.
التنازل الوحيد الذي حصل عليه الرئيس التركي في قمة طهران الثلاثية هو تجزئة الهجوم الى ثلاث مراحل، وجعل السيطرة على المعابر السورية مع تركيا في جسر الشغور وباب الهوى التي تسيطر عليها قوات جبهة النصرة المرحلة الأخيرة، لعل تركيا تستطيع كسب الوقت والفصل بين الحركات المصنفة إرهابيا والأخرى المعتدلة، ولكن المشكلة تكمن في ان روسيا تعتبر كل تنظيم مسلح في سوريا معاد للدولة إرهابيا.
الرئيس بوتين حسم امره، وقرر اخلاء سوريا من جميع القوات الأجنبية "غير الشرعية"، أي التي دخلت دون موافقة الحكومة في دمشق، ولعل المهمة الأكثر الحاحا هي اخراج القوات التركية في المرحلة الراهنة.
***
كيف سيكون موقف الحكومة التركية اذا ما تأزمت الأمور ووصلت الى حافة المواجهة المسلحة مع القوات السورية المدعومة روسيا؟
هناك خياران لا ثالث لهما في اعتقادنا، والكثير من المراقبين مثلنا:
ـ الأول: الانضمام الى المعسكر الروسي الإيراني، او التزام الحياد وإدارة الوجه الى الناحية الأخرى مثلما فعل الرئيس اردوغان اثناء الهجوم على حلب الشرقية.
ـ الثاني: التصدي للهجوم السوري الروسي وفي هذه الحالة ستكون النتيجة كارثة انسانية، وحرب إقليمية، وتدفق مليون لاجئ سوري وآلاف المسلحين عبر الحدود التركية، وفوق كل هذا وذاك، ان انتصار تركيا في هذه المواجهة مع دولة عظمى مكلف وغير مضمون.
الخياران في قمة التعقيد والخطورة، والرئيس اردوغان يدرك ذلك جيدا، ولهذا كان القلق باديا عليه في المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه مع الرئيسين بوتين وروحاني في ختام قمة طهران الثلاثية.
الاسابيع، وربما الأيام المقبلة، ستجيب عن كل هذه التساؤلات، وما هو أكثر منها، ولا نعتقد ان انتظارنا سيطول.