لم يكن يخطر على بال احد ان حادثة خاشقجي رغم اهميتها والاهتمام الدولي بها، تنتهي بهذا الشكل الهادئ.
فخلال الايام الـ14 الماضية تصدرت حادثة خاشقجي اخبار الاعلام العالمي. ملف هذا الصحفي السعودي وبحسب غالبية الراي العام العالمي لم يكن فيه سوى متهم واحد وهو ابن سلمان ومفند واحد وهي السعودية. والى جانب السعوديين فان القلة القليلة من دول المنطقة التي تخضع لتطميع وتهديد السعودية، هي ايضا ورغم عدم اتهامها للسعودية صراحة، لكنها لم تدعمها ايضا معتمدة بذلك لغة دبلوماسية.
فرضية القتل وان كانت قوية في هذه الحادثة الا انه لم يكن يجري التنويه اليها صراحة، ولكن تورط السعودية في اختطاف خاشقجي كان امرا مفروغا منه ولم يكن اي احد يشك في ذلك. وسائل الاعلام التركية التي هي اعلم بقدرات وامكانيات استخبارات بلادها كانت تتحدث عن حتمية وقوع جريمة قتل. المسؤولون الغربيون لاسيما اميركا وان كانوا لا يستبعدون هذا الامر نظرا الى المامهم بروحيات آل سعود لا سيما ابن سلمان، الا انهم كانوا يرجحون مصالحهم طويلة الامد على مسالة خاشقجي. وخير دليل على ذلك ان ترامب الذي هدد بفرض عقوبات على السعودية في حال اثبات تورطها بقتل خاشقجي، استدرك قائلا بان هذه الحادثة لن تؤثر على بيع الاسلحة لهذا البلد. سائر الدول الغربية ايضا ومع الاخذ بنظر الاعتبار لاسواق السلاح والنفط، اكتفت باصدار بيانات ادانة فقط .
مسألة خاشقجي تحولت الى الشغل الشاغل للراي العام العالمي في الوقت الذي كانت المشاريع الاميركية تتعرض الى اضرار كبيرة في ضوء غياب السعودية، لاسيما فيما يخص تلبية احتياجات النفط في الاسواق التي ستكون ايران –بزعم ترامب- غائبة فيها خلال الايام العشرين القادمة وتحقيق حلم "صفقة ترامب" في خصوص فلسطين. جميع هذه الامور ادت الى ان يظهر ملاك الانقاذ الاميركي يوم الاثنين الماضي وينقذ السعودية من ورطة خاشقجي. فقد تحدث ترامب عن احتمال تورط "عناصر غير منضبطة" في قتل خاشقجي. وهذا يعني ان سلمان ونجله سيستعيدان امنهما واستقرارهما المفقودان بفضل اميركا. وفي الحقيقة ان هذا الاعلام الاميركي الذي جاء في اليوم الثاني عشر من ازمة خاشقجي كان بمثابة رسالة الى آل سعود مفادها ان حكومتهم لن تصمد اكثر من اسبوعين بلا دعم اميركا.
جريمة قتل خاشقجي خطط لها ولي العهد السعودي الغر محمد بن سلمان، وبالطبع فشل فيها كما فشل في مشاريعه السابقة، مثل احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وارغامه على الاستقالة، قطع العلاقات مع قطر وتأزيم العلاقات مع كندا وغيرها من الامور الاخرى التي كشفت كرارا ومرارا عن عدم نضج إبن سلمان، ولكن ليس من معتبر.
إبن سلمان وفي حادثة خاشقجي اقحم نفسه وبلاده في ورطة قاتلة كان من المستحيل الخروج منها لو لا الدعم الاميركي وادارتها للملف. ان الملك وولي عهده خرجا من هذه الازمة بفضل اميركا رغم تعرض مصداقيتهما ومصداقية اميركا لضرر كبير لا يمكن التعويض عنه. هذا في حين ان رسائل وتداعيات "ازمة خاشقجي" ليست قليلة ومنها، ان اميركا لازالت تؤمن بان مدة صلاحية "البقرة الحلوب" لم تنته بعد. ثانيا ان التعاطي بين اميركا والسعودية لا يقتصر على بيع السلاح واستلام النفط . ثالثا ان عمر الحكومة السعودية لن يتعدى الاسبوعين بلا دعم اميركا. واخيرا وليس آخرا انه في ضوء هذه الحادثة وضمن تقديم الخلفاء المحتملين لولي العهد السعودي في وسائل الاعلام، جرى اخطار الملك ولاسيما ولي عهده بان "عصا الخلافة" مخيمة على رؤوسهم دائما، وانها ستنهال عليهم في حال اي عصيان عن الاوامر الاميركية.
المصدر: العالم