بعد إنكار دام اكثر من اسبوعين، ومن أعلى المستويات، إعترفت السلطات السعودية أخيرا، بقتلها للصحفي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول، عبر رواية، استفزت حلفاء السعودية والراي العام العالمي، أكثر مما استفزهم صمت ومن ثم إنكار السعودية.
كل زعماء الدول الغربية، دون استثناء، عدا الرئيس الاميركي دونالد ترامب طبعا، رفضوا الرواية السعودية، ليس بسبب تهافتها فقط، بل لإستهبالها الراي العام العالمي، بهدف تضييع المزيد من الوقت وصولا الى تمييع القضية برمتها واستنفاد كل زخمها.
يبدو ان ترامب، الذي لا يقلقه في الامر سوى صفقات الاسلحة التي ابرمها مع السعودية، هو الذي اقترح هذه الرواية للسعوديين، عندما تطوع للدفاع عن السعودية، وابعاد اي مسؤولية عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال اتهام "عناصر غير منضبطين” بانهم وراء الجريمة، كما اوفد وزير خارجيته مايك بومبيو الى السعودية لكي يشرح لهم تفاصيل المخرج الذي اقترحه، والذي ظهر اول امس على شكل بيان رسمي سعودي مفاده ان خاشقجي قتل خلال شجار مع احد الاشخاص، بعد وصول معلومات عن نيته للعودة الى الوطن!!.
على الفور اعلن ترامب ان الرواية السعودية موثوقة، مع تكرار الثابت الوحيد في كل تصريحاته منذ بداية ازمة اختفاء خاشقجي، وهو عدم الغاء صفقات الاسلحة مهما كلف الامر، في المقابل رفض الغرب كله هذه الرواية، حتى اغلب اعضاء الكونغرس الاميركي، الى جانب الصحافة الاميركية.
الملفت ان ترامب وبعد ساعات قليلة من تصريحه الاول عن الرواية السعودية، قال انه غير راض عن الرواية السعودية، وطالبها بتوضيحات، دون ان ينسي تكرار موقفه الثابت، وهو عدم الغاء صفقات الاسلحة، في موقف ادخل المشرعين والصحفيين والراي العام الاميركي في حالة من الحيرة، ازاء هذا التقلب السريع في الراي الى حد عدم الاتزان.
من الواضح ان التقلب الحاد في مواقف ترامب ازاء قضية قتل خاشقجي، مرده ان الجريمة واضحة وبشعة في نفس الوقت، وانه من الصعب جدا دفنها، ما دام هناك طرف ثالث وهو تركيا، الذي وقعت على ارضها الجريمة، مازال، على الاقل الى هذه اللحظة، لم يتناغم بعد مع الموقفين السعودي والاميركي، ويصر على كشف حقيقة ما جرى بالتمام والكمال.
تقلب ترامب الغريب في مواقفه، يثير العديد من الشكوك حول حقيقة موقفه من هذه القضية، فهناك من المشرعين الاميركيين من اتهم صهره جاريد كوشنر بانه متورط في الجريمة، الى جنب محمد بن سلمان، ودعا الى التحقيق مع كوشنر للوصول الى الحقيقة، الامر الذي افقد ترامب توازنه في التعامل مع الازمة.
كان واضحا استعجال ترامب لاغلاق ملف خاشقجي بتاييده الكامل للرواية السعودية، دون ان يتساءل، عن سبب شجار خاشقجي، وهو الذي كان يفكر بالعودة الى الوطن، حسب الرواية السعودية؟، ومن هذا الشخص الذي قتل خاشقجي؟ وما هو دور الفريق الامني، المؤلف من 15 عنصرا ، الذي جاء من خارج تركي وكان في داخل القنصلية عندما دخلها خاشقجي؟ ، ولماذا كان الفريق يحمل منشارا لقطع العظم معه؟ ، وكيف يمكن ان يأتي الفريق الامني المقرب من ابن سلمان، بهذا العدد الكبير، الى تركيا ويقتلوا صحفيا معروفا، ويعرضوا سمعة السعودية للخطر، دون ان يكون للرجل الاول في السعودية، اي علم بالقضية ؟ ، واخيرا اين اختفت جثة خاشقجي؟.
هذه الاسئلة وغيرها الكثير ، مثل انكار السعودية على مدى اكثر من اسبوعين لوقوع جريمة في قنصليتها، وتاكيدها ان خاشقجي غادر القنصلية، ومسرحية القنصل السعودي محمد العتيبي عندما كان يبحث امام الكاميرات في الخزانات والادراج، ومغادرة العتيبي تركيا في ذروة التحقيق في الجريمة.
يبدو ان وضع الشجار مكان المنشار، لن يغير في حقيقة ما جرى، فقتل خاشقجي حصر اميركا والسعودية بين خيارين احلاهما مر، اما خيار انهاء الحياة السياسية لولي عهد السعودية محمد بن سلمان والى الابد، واما وضع حد لمزاعم اميركا وتبجحاتها الفارغة، بشأن رفعها رايات حقوق الانسان وحرية التعبير والديمقراطية.
المصدر: / شفقنا