بشكل عام، نظراً للحواجز والقيود التي تقف أمام الحكومة الفرنسية، فإنه يبدو أيضاً أن الحكومة الفرنسية حكومة محتلة وتفتقر إلى الشرعية لمواصلة وجودها في سوريا، ولا تملك الأسس اللازمة لمواصلة لعب دور فعّال شمال وشرق سوريا، ويبدو أيضاً أن باريس عقب مغادرة أمريكا بالكامل من سوريا، ستضطر أيضاً إلى سحب قواتها من المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد السوريين.
لقد كان لقرار الرئيس "دونالد ترامب” المفاجئ بانسحاب قوات بلاده من سوريا العديد من ردود الأفعال المتباينة، فمن جهة، انتقد العديد من السياسيين والقادة العسكريين الأمريكيين هذا القرار الذي أعلن عنه رئيس البيت الأبيض قبل عدة أيام، حيث أعربوا بأن هذا القرار يعتبر أحد العوامل المهمة في فقدان مصداقية أمريكا بين حلفاءها في العالم ونتيجة لذلك، فلقد استقال وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" والمبعوث الأمريكي الخاص، "بريت ماكغواير"، من التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش" الإرهابي بسبب معارضتهما لقرار "ترامب"، وعلى المستوى الدولي، فلقد تفاجأت معظم الدول الأوروبية بهذا القرار، حيث صرّح العديد من القادة الأوروبيين بأن قرار "ترامب" يعتبر أمراً غير منطقي وغير جيد، وفي هذه الأثناء، كانت فرنسا هي المعارض الأشد لهذا القرار الأمريكي المفاجئ، حيث وصفت وزيرة الدفاع الفرنسية، "فلورنس بارلي"، هذا القرار الذي جاء تحت ذريعة هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي بأنه "مدمر للغاية"، وقالت: "نحن لا نوافق على التحليل القائل بأنه تم القضاء بشكل كامل على تنظيم "داعش" الإرهابي، وقرار الرئيس "ترامب" محبط للغاية، ونحن نعتقد أن هذا المهمة لم تنته بعد". وأعربت وزيرة الخارجية الفرنسية بأن بلادها ستواصل وجودها العسكري في سوريا من أجل مكافحة الإرهاب.
وهنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هو هل لدى الحكومة الفرنسية القدرة على لعب هذا الدور، وملء الفراغ الأمريكي في سوريا ومساعدة القوات الديمقراطية السورية بعد رحيل القوات الأمريكية؟ ورداً على هذا السؤال، فإننا سوف نستعرض في هذا المقال أبرز قدرات الحكومة الفرنسية التي قد تمّكنها من لعب هذا الدور، ومن ثم سوف نستعرض أبرز التحديات والعراقيل التي قد تؤثر بشكل سلبي على مستقبل وجود باريس في منطقة شرق الفرات وشمال سوريا.
أسباب استمرار الحكومة الفرنسية في تقديم الدعم المالي واللوجستي للقوات الديمقراطية السورية، كما يلي:
1. إن تاريخ وجود الحكومة الفرنسية في سوريا يعود إلى الحرب العالمية الأولى فعندما انتهت تلك الحرب، قامت فرنسا بلعب دور أساسي في هذا البلد ووضعته تحت وصايتها لعدة عقود وهنا يمكن القول بأن الفرنسيين يرون حالياً بأنه من حقهم الاستمرار في الوجود ولعب دور في مستقبل سوريا.
2. والسبب الآخر الذي تقول باريس بأنه يجب عليها مواصلة دعم القوات الديمقراطية السورية، يتمثل في الموجة الإيجابية التي انتشرت عند الرأي العام في المجتمعات الأوروبية بضرورة دعم الأكراد السوريين لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.
3. يمكن اعتبار الإحساس بالانتماء الأخلاقي والروابط التاريخية بين الفرنسيين والأكراد على مدى العقود القليلة الماضية، أحد الأسباب الأخرى التي تدفع باريس لمواصلة دعمها للأكراد السوريين.
4. يمكن اعتبار رغبة الحكومة الفرنسية في تبني سياسة مستقلة عن أمريكا، سبباً آخر محتملاً لمواصلة الدعم الفرنسي للأكراد السوريين، في الواقع، لقد كشف الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" عن دوافعه للاستقلال عن واشنطن خلال الأشهر القليلة الماضية، وهنا يمكن أن تكون الأزمة السورية والنقاش المستمر حول دعم القوات الديمقراطية السورية طريقة لتحقيق ذلك.
الموانع والعراقيل التي تقف حائلاً أمام باريس للاستمرار في البقاء شمال وشرق سوريا
على الرغم من وجود بعض الأسباب الأخلاقية والسياسية التي يمكن اعتبارها دوافع فرنسية لدعم الأكراد السوريين، إلا أن باريس تواجه العديد من العقبات والقيود في مجال المعادلات الميدانية والتي يمكن عرضها في أربعة محاور:
1. إن العقبة الرئيسية التي تقف أمام الحكومة الفرنسية للعب دور أمريكا بعد انسحابها من سوريا، تتمثل في معارضة الحكومة التركية وإمكانية حدوث نزاع عسكري بين هاتين القوتين ويمكن رؤية هذه الخلافات بين أنقرة وباريس، تتجلى في التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي "أردوغان" ضد فرنسا، حيث قال: "إن استمرار فرنسا في تقديم الدعم للقوات الديمقراطية السورية، قد يؤدي بأن تصبح القوات الفرنسية الموجودة في بعض المناطق السورية، أهدافاً مشروعة للقوات التركية".
2. والعقبة الأخرى التي تقف أمام الحكومة الفرنسية تتمثل في معارضة الحكومة المركزية في سوريا والحكومة الروسية، للوجود الفرنسي في سوريا وذلك لأن موسكو ترى بأنه في حال انسحاب أمريكا بشكل كامل من سوريا، فإنها لن تتمكن من الاتفاق مع باريس.
3. والعقبة الثالثة التي تعوق استمرار وجود الحكومة الفرنسية في سوريا تعود إلى عدم وجود شرعية دولية لاستمرار تواجد قوات هذه الحكومة ومواصلة دعمها للأكراد وهنا يمكن القول بأن هذه القاعدة تنطبق أيضاً على أمريكا والبلدان الأخرى التي تدخلت في الأزمة السورية من دون طلب حكومي شرعي من حكومة دمشق الشرعية.
4. ومن القيود الأخرى التي تقف أمام الحكومة الفرنسية وتجبرها على عدم مواصلة تقديم الدعم للأكراد السوريين، عدم وجود آفاق واضحة وعدم وجود استراتيجية أوروبية دقيقة لتحديد المعادلات السورية المستقبلية، في الواقع، لا يعرف الفرنسيون حتى الآن الدور الذي يجب أن يلعبوه والاستراتيجية التي سيتخذونها في المستقبل.
بشكل عام، نظراً للحواجز والقيود التي تقف أمام الحكومة الفرنسية، فإنه يبدو أيضاً أن الحكومة الفرنسية حكومة محتلة وتفتقر إلى الشرعية لمواصلة وجودها في سوريا، ولا تملك الأسس اللازمة لمواصلة لعب دور فعّال شمال وشرق سوريا، ويبدو أيضاً أن باريس عقب مغادرة أمريكا بالكامل من سوريا، ستضطر أيضاً إلى سحب قواتها من المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد السوريين.
المصدر: الوقت