مملكة آل سعود التي تقوم على مرتكزات الفكر الوهابي، وهو فكر ينطلق من رؤية بدوية أعرابية للدين، ولا يرى أي شيء إلا بشكل مطلق، مجافٍ للعقل و المنطق و العلم الحديث، بل وحتى لرؤى متقدمة و متطورة للدين لدى علماء و فلاسفة ورجال دين عُرفوا بعقلانيتهم و إتزانهم الفكري طوال التاريخ.
مملكة آل سعود التي تقوم على مرتكزات الفكر الوهابي، وهو فكر ينطلق من رؤية بدوية أعرابية للدين، ولا يرى أي شيء إلا بشكل مطلق، مجافٍ للعقل و المنطق و العلم الحديث، بل وحتى لرؤى متقدمة و متطورة للدين لدى علماء و فلاسفة ورجال دين عُرفوا بعقلانيتهم و إتزانهم الفكري طوال التاريخ.
ولكنَّ محمد بن عبد الوهاب- هو قاطع طريق بالأساس، ولا علاقة له بالدين- عندما تحالف مع محمد بن سعود الكبيرو بمباركة من الاستعمار البريطاني الذي كان قد بدأ يطل برأسه في منطقة الخليج (الفارسي) و الجزيرة العربية( في إطار تأمين طرق الذهاب و العودة مِن وإلى الهند والشرق الأقصى) لأن الشبه الجزيرة العربية والخليج (الفارسي) لهما أهمية [جيوبولتيكية] كان تحالف الشيخ مع الحاكم كان ضمن عوامل أدت إلى ميلاد أسرة آل سعود، والتي صبغت الجغرافيا باسمها، فشلت التجربة الأولى، بعد تدخل مصر [محمد على باشا] وهدَّ إبراهيم باشا –القائد العظيم- الدِرِّعية على رؤس السعوديين وذلك في حروب محمد علي بالجزيرة العربية، والتي بدأت منذ عام 1811م.
عاود السعوديون الكَرَةَّ مرةً أخرى بقيادة عبد العزيز، وتأسست دولتهم وعُرفت بالمملكة العربية السعودية منذ عام ثلاثينات القرن المُنصَرِم، وكانت تحت رعاية كاملة من التاج البريطاني، ثم بعد ذلك تحت حماية الولايات المتحدة وحتى الآن، عقب اندحار الاستعمار التقليدي. إذاً دولة آل سعود- للأسف ابتلعت أغلب أراضي شبه الجزيرة العربية فيما عدا: الكويت، والبحرين، وقطر، وسبع مشيخات في الخليح (الفارسي)= الإمارات العربية وتضم (أبو ظبي، دُبيّ، عَجمَاَن، رأس الخيمة، العين، الفُجَيَّرة، أم القوين) واليمن [السعيد] وسلطنة عُمَان. مملكة آل سعود هي دولة وظيفية، أي أنها تلعب دورًا وظفيًا في المنطقة والإقليم بل و العالم، لصالح من؟ لصالح قوى الهيمنة العالمية والإستكبار العالمي= الإمبريالية من خلال عدة أدوات وأدوار ستتضح خلال نقاشنا.
هذه الدولة الوظيفية التي مزجت بين: الدين بطبعته الوهابية الأعرابية [البدوية] وبين المال المتدفق من عائدات النفط (خاصة طفرة السبيعنات) وإقطاع القرون الوسطى بطبعته المنحطة، فأنت أمام إقطاع-رأسمالية، أو رأسمالية-إقطاعية، عفنها يزكم الأنوف عبر نعراتها الطائفية والمذهبية وعدائها للعلم والتقدم وقيمة الإنسان، ووقوفها دائمًا ضد أي تحرك تقدمي ووطني يبغي التخلص من هيمنة المراكز الإمبريالية، وإقامة نظام اجتماعي واقتصادي لا طبقي، لأن من أبرز سمات الإقطاع المنحط والرأسمالية الرثة [أنَّ الطبقات أمرٌ حتمي، يريده الإله] وهو سر عداء آل سعود للشيوعية، لأن الشيوعية تناضل من أجل إلغاء الطبقات، وإلغاء إمتيازات بشر على بشر، وأقوام على أقوام.
ولذا يتمحور الدور السعودي في الآتي:
1- أن يقوم بحجز التطور في مجتمعه، وباقي مجتمعات المنطقة، كي تبقى رهينةً بشكلٍ دائم لقوى الهيمنة و الناهب الدولي، وهنا أتى توظيف الدين والإنطلاق منه لكبح جماح الكادحين والمهمشين، عبر تقديم وجبة دينية فقيرة تُجَذر الوهم لدي جمهور الكادحين، وذلك عبر شبكات واسعة من وسائل الدعاية والبث تقليدية وحداثية، وعبر بناء جماعات وظيفية تنقل الرسائل والأهداف وتضعها موضع التنفيذ (نماذج الإخوان والقاعدة وداعش والنصرة وأشباههم) تتناقض المصالح وتتقاطع، لكن يبقى جوهر الهدف الوظيفي لهذه الدولة وجماعاتها هو حجز تطورنا، وإعادة إنتاج تخلفنا وتبعيتنا.
2- [السعودية] هي ضمن المرتكزات التي يتكأ عليها المشروع الصهيوني في المنطقة- هناك تشابه كبير في بنية الفكرين الصهيوني و الوهابي- إذا كان الصهاينة يرون أنَّ: اليهود شعب الله المختار و أرض الميعاد…..إلخ الوهابيون: يرون أنفسهم أصحاب الحقيقة المطلقة، وأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، وعدا ذلك إما كَفَرة، وفي أحسن الأحوال [ضالون، وفاسقون] وهناك بالطبع تشابهات أخرة بين الفكرين- قد نكتب عنها لاحقًا- الأهم من ذلك أن نرى الرابط المشترك بين الوهابية و الصهيونية: كلاهما يعمل وظيفيًا وبدور مرسوم مسبقًا متفق عليه صراحة وضمنًا مع الإمبريالية (يظهر ذلك جليا في التقارب الخفي و العلني بين آل سعود، ودولة العدو الصهيوني) وهما الحليفان الأكثر إتساقًا مع الإمبريالية!! اتضح ذلك بشكل أكثر وضوحًا – لا يقبل الشك- في أنَّ آل سعود جعلوا من حزب الله المقاوم منظمةً إرهابية، وهو بالضبط ما يراه العدو الصهيوني!
3- تفتيت المنطقة و تشظيها إلى كانتونات مذهبية، عبر الإستثمار في الدعاية التي تحض على الكراهية والتعصب، عبر شبكة من الفضائيات، ورجال الدين، وجمعيات، ومنظمات مجتمع مدني، وأحزاب وجماعات، وذلك بناء على توجيهات ودعم مباشر من قوى الهيمنة، وهو ما يخدم بشكل استراتيجي العدو الصهيوني؛ كي يبقى صاحب القوة المطلقة.
4- فرملة وكبح مشاريع المقاومة و الممانعة للعدو الصهيوني، إما من خلال الحصار والتضييق والتشويه- كما يحدث مع حزب الله حاليًا- أو الإحتواء- كما حدث مع فتح في الماضي- ونشر قيم الإستهزام، وإعادة تقديم [إسرائيل] بوصفها دولة يمكن قبولها وأنَّ خطرها أقل بكثيرٍ من الخطر الذي تمثله [إيران الصفوية – كما يحلوا للأبواق السعودية أن تتلفظ به-] ومن ثمَّ قبر فلسطين وقضيتها ومقدساتها [التي هي مقدسات الأمة برافديها: الإسلامي والمسيحي] وتسليم فلسطين والمنطقة بمفاتيحها إلى العدو، بعد أن يتم إخماد ما تبقى من جذوات للمقاومة هنا وهناك.
هذه هي حقيقة الدور السعودي في خطه العام، وهدفه الأساس توجيه ضربات مباشرة وغير، لأي مشروع وطني تحرري تقدمي، يمثلُ خطرًا على الإمبريالية، ويعطل مسيرة النهب الرأسمالي المتواصل عبر قرون، ظهر ذلك جليًا في الموقف السعودي من مشروع عبد الناصر- آخر المشروعات الوطنية في المنطقة العربية= انتقل هذا المشروع إلى إيران المجاورة! ولم تكن هزيمة حزيران/ يونيو 67 بعيدة عن قذارة وسفالة هؤلاء الأعراب – الذين هم أشدُ كفرًا ونفاقًا بالتعبير القرآني البليغ- منذ أن بدأت مصر تهب وتقوم من رقادها في خمسينات القرن الماضي، بدا ذلك خطرًا كبيرًا على آل سعود بشكل مباشر، نموذج عبد الناصر يتدحرج ككرة الثلج في منطقة مستعمرة ومنهوبة، وبها [إسرائيل] ويزداد فيها الفقر بشكل بشع، وتتركز الثروات في آيادي أقليات من جحافل الإقطاعيين وكبار الملاك، وهو خلق شعورًا عارمًا بالقهر والظلم الاجتماعي وهذا كله يمثل بيئة خصبة لثورات ذات بعد اجتماعي، تجعل هذه المجتمعات تتجه يسارًا وهو ما لا تريده مراكز الهيمنة، ولا أدواتها عبر الطبقات [الرجعية] وعبر توظيف الدين، وخير من يقوم بتفريغ وسحب هذه المجتمعات هم آل سعود، ومن هنا بدأ تركيزهم على مصر، وسنحت الفرصة لهم مع طفرة النفط، وأخذ السادات مصر معه في أحضان أمريكا، وتصالح مع العدو- بعد إيهامنا بحرب أكتوبر- مرورًا بالانفتاح وحدث التزواج الساداتي ثم المباركي، والذي يكمله السيسي مع آل سعود، وفي هذه اللحظة يتم تغييب مصر ودفن ما تبقى منها بعد معاهدة الإستسلام مع العدو الصهيوني 1979م.
تهدف [السعودية] من الهيمنة على مصر:-
– إبقاء مصر بين.. بين، لا مصر قوية، ولا مصر ضعيفة؛ لأن مصر قوية يعني مصر قائدة، ترسم سياسات الإقليم والمنطقة أو تشارك عبر نفوذها، ومصر ضعيفة يمثل ضررًا بالنسبة لأل سعود الذين يرتعبون من جارهم القوي [ إيران] وهي قوة صاعدة و "شرسة" وتمتلك العديد من المقومات الجيوسياسية والروحية لتكون دولة إقليمية عظمى، أو أعلى.
– حجز تطور مصر بكل السبل لتحقيق الهدف الأول.
– كبح جماح أي ثورات جذرية حقيقية و تفريغها من مضامينها، وهو ما حدث مع إنتفاضة يناير.
– ظهر تيار الدين السياسي بكل تلاوينه على السطح بوضوح- وهو ضمن أدوات [السعودية] وبشكل خلص التيار السلفي.
– تعزيز النزعة الإنتقامية من مصر، التي أسقطت الدولة السعودية الأولى، ومصر الناصرية التي حاولت التصدي لقوى الهيمنة والرجعية وكانت ضمنها وفي محورها: آل سعود وحتى الآن، وذلك من خلال إحتواء مصر التي تعاني من تخريب متعمد بسبب الرأسمالية الرثة التي تحكمها منذ السبعينات، والتي نهبت وسرقت وأهدرت عشرات الآلاف من المليارات، وجعلت الشعب المصري شعبًا فقيًرًا جائعًا ضائعًا، فلا يجد عزاه سوى في خطاب ديني فقير تم صياغته في واشنطن أو لندن أو باريس، ويدفع آل سعود تكاليف عملية غسيل الدماغ، من ألفها ليائها.
– الإستثمار السعودي في مصر، وذلك لنزح و المشاركة في نهب المصريين، ألم ينتج المصريون في المملكة فائض قيمة للنظام هناك؟ و يستخدم آلية [ الكفيل] لإذلال الناس هناك! وهي عمالة رخيصة وحاجاتها المادية تجعلها أكثر تقبلًا للذل والقهر والقمع! والهيمنة السعودية على مصر نعتبرها شكلًا جديدًا، من أشكال التبعية يتناسب مع التغيرات التي بدأت تحدث في المنطقة [أهمها تراجع أمريكا، وترك الأمور بيد حلفائها: الأتراك، آل سعود، وإسرائيل ترسم و تخطط و تقود] إذن التبعية الجديدة لمصر صارت بمستويين للهيمنة: مستوى التبعية للتابع (آل سعود) وآل سعود (تابعين للأمريكان) ويقومون بدور مرسوم بدقة و متفق عليه.
وتمثلت أهم مظاهر الهيمنة في:
1- موافقة مصرالسيسي والإنخراط في العدوان على اليمن.
2- المشاركة في التحالفات التي ينشئها محمد بن سليمان من آن لآخر!.
3- الموافقة على قرار [جامعة الدول] باعتبار حزب الله منظمة إرهابية.
4- وقف بث قناة المنار – لسان حال حزب الله- على قمر نايل سات المصري.
5- تجلت المظاهر أكثر في زيارة سلمان الأخيرة، و بيع السييسي لجزيرتي: صنافير و تيران لآل سعود ضمن زعم ترسيم الحدود، وذلك مقابل المليارات التي ضختها و ستضخها المملكة في مصر لإنقاذ نظام السيسي وليس مصر.
باتت مصر وبفضل سياسات السيسي ذو الهوى السعودي، مهيمن عليها، وسيبدأ استكمال مشروع سعودة مصر عبر قطعان السلفية، وتعميق الفكر المتخلف والمتعصب، ومحاربة وتدمير الخطاب الديني النهضوي العقلاني المقاوم، سيحدث ذلك إذا لم تولد حركة جماهيرية قوية وواعية تتصدى لذلك وأن تكون بوصلتها محددة الاتجاه، وهذا ما نتمناه.
وعلينا أن نأخذ في الاعتبار مدى السطوة السعودية وأدواتها عبر الضخ المالي والإعلامي الكثيف، و عبر أبواقها من سياسيين وإعلاميين، ومشايخ، بل وحتى مثقفين بهرجهم الريالُ بهرجةً.
المصدر: يناير