أصدرت محاكم النظام البحريني في 28 يناير/كانون الثاني 2019 حكماً نهائياً بالسجن المؤبّد ضدّ زعيم المعارضة الوطنية في البحرين سماحة الشيخ علي سلمان مع نائبين برلمانيين سابقين عن جمعية الوفاق الوطني الاسلامية علي الأسود والشيخ حسن سلطان، وذلك في ما يعرف إعلاميّاً بـ"قضية التخابر مع قطر"، واتّهامهم بإفشاء معلومات حساسة وتلقيهم دعماً مالياً من قطر.
ولم يكن القرار مستغرباً، فلا يُخفَ على أيّ متابعٍ للوضع في البحرين العقلية التي يحكم فيها النظام هناك، وكيف تُدار الأمور في البلاد، ولا حتّى كيف يُتّخذ القرار فيها، فالعائلة الحاكمة في أدلّة الإدانة التي قدّمتها عبر القضاء هي كانت تقدم أدلّة براءة الشيخ علي سلمان من الحكم الصادر بحقّه، كما يرى المراقبون.
قضيّة "التخابر" التي لفّقتها السلطة البحرينية إثر قطع العلاقات مع قطر في 5 يونيو 2017، لرجل السلميّة الأوّل كما يوصف، شهدت قبل تأييد الحكم النهائي، تطورات دراماتيكية انقلب فيها النظام على ذاته كالتالي:
- في 21 يونيو/حزيران 2018 أصدرت محكمة الدرجة الأولى حكماً بالبراءة.
- النيابة العامّة طعنت ضدّ حكم البراءة.
- في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ألغت محكمة الاستئناف البحرينيّة حكم البراءة وحكمت على الشيخ علي سلمان وعلي الأسود والشيخ حسن سلطان بالسجن مدى الحياة.
هذا عن البحرين، أمّا قطر فتنفي هذه الإتّهامات، وتطالب البحرين بـ"عدم اللجوء إلى تسييس القضاء لديها أو الزجّ باسمها لصالح حسابات سياسية ثبت أنها ضيقة الأفق ولا تليق بالدول"، كما كان رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم آل ثاني قد قال إنّ الوساطة التي قامت بها قطر لحل الأزمة البحرينيّة كانت بالتنسيق مع أميركا والبحرين، وهو ما يتطابق مع الفقرة 525 من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي عيّنها الملك في العام 2011.
انقلاب السلطة في البحرين على الحكم السابق، وتأييد حُكم الحبس مدى الحياة الذي وصف فيه نائب الأمين العام لجمعيّة الوفاق الوطنيّ الإسلاميّة الشيخ حسين الديهي القضاء في البحرين بـ"المزبلة النتنة العفنة"، يعيد إلى الذاكرة التي لم تهدأ إجراءات النظام التعسّفية التي ينفّذها عبر محاكمه على خلفيّات سياسيّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، وتحديداً في 3 يناير من العام الحالي وصفت "منظّمة العفو الدّوليّة" النظام القضائي في البحرين بـ"المهزلة الكاملة".
ويرى المراقبون أنّ موضوع التخبّط الذي رافق قضيّة الشيخ علي سلمان، لا يقتصر على عدم نزاهة القضاء البحريني فقط، فالتدخّل السعودي في مفاصل الحكم في هذا الأرخبيل الصغير، الذي يعيش التبعيّة للسعوديّة، يعاني اليوم وضعاً إقتصاديّاً صعباً لا بل سيّئاً على المستويين الرسميّ والشعبيّ، وبالتالي تدفع البحرين مليارات الدولارات على الإنفاق نحو التسلّح على حساب التنميّة الاقتصاديّة، لمواجهة أيّ تحرّكٍ محتمل من قبل المعارضة، في ظلّ استمرار ثورة الرابع عشر من فبراير، التي ستدخل عامها التاسع الشهر الحالي.
وليس بعيداً عن تبعيّة النظام البحريني للسعوديّة، وبعد يومين من كلام الأمين العامّ لحزب الله اللبناني السيّد حسن نصر الله، الذي قال إن ضعف وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان قد ينعكس إيجابيّاً على الملفّ البحريني، وإنّ "ما يمنع حصول حوار في البحرين هو السعودية"، طرح تأييد الحكم بالمؤبّد تساؤلات عدّة كان أبرزها:هل جاء الحكم "نكاية" بكلام السيّد نصرالله؟
وفي كلّ الأحوال، الحكم بالمؤبّد على رجلٍ مشهودٌ له بسلميّته المعهودة، وبخطابه الإصلاحي، يؤكّد أحقيّة المطالَب السياسية المشروعة لشعب البحرين، التي يتبنّاها زعيم المعارضة الملقّب بـ"مانديلا البحرين". وعليه لن تنفع محاولات القمع والتهميش والإقصاء....فالثورة قائمة...والتحرّكات مستمرّة.