يتطلع مراقبون إلى الساحة الآسيوية التي قصدها ابن سلمان وخاصة الباكستانية من زوايا مختلفة، ليطرحوا تساؤلات حول ما إذا كان ما يقوم به ابن سلمان مجرد مناكفة مع إيران، لتحصيل دعم نووي وصاروخي باكستاني أم أن في ذهن ابن سلمان مجرد فرصة اقتصادية يحاول قطف ثمارها.
من خط الرياض ـ إسلام آباد، اندفعت السياسة السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان نحو دول آسيوية، في إطار تكثيف مساعيها للخروج من العزلة الدولية والانتقادات المتلاحقة التي أحاطت بسجل حقوق الإنسان في "مملكة الصمت"، بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي وجرائم الحرب في اليمن، وانعكاس مواقف الدول المنددة على العلاقات السياسية والاقتصادية معها. اندفاعة الرياض حملت في طياتها الكثير من التفسيرات والمخططات التي تحتاجها الرياض وولي عهدها، للخروج من الصورة القاتمة وخياراتها.
باكستان، الهند، الصين، محطات ثلاث خيّم على أرضها ولي العهد وحاشيته حاملاً معه الصفقات والعقود والاستثمارات لتطويع حكومات تلك الدول تارة، واللعب على خط توازن التحالفات تارة أخرى، لإخراج "المملكة" من تحت أنقاض حربها الشاملة المفتوحة على جبهتي الداخل والخارج والتي انعكست انكماشاً بالدعم المقدم لانفلات ولي العهد محمد بن سلمان، واتخاذه خطوات "متهورة" على أكثر من مستوى. ولئن شكلت المحطة الباكستانية علامة فارقة ضمن الزيارة، انطلاقاً من كم الاستثمارات التي وعد بإقامتها، فإن الحديث عما وراء الغايات المعلنة يطول، وهو ما يراه معارضون للنظام السعودي.
يرى الصحفي المعارض للنظام السعودي والمقيم في واشنطن هاني العبندي، أن الزيارة الآسيوية تأتي في الوقت المتأخر سياسياً، في محاولة للهروب من قضية اغتيال الكاتب جمال خاشقجي بعد ما تم تداولها في الإعلام الدولي "وهو ما انعكس على صورة ابن سلمان ودفعه لصرف ملايين الدولارت من أجل أن يكون في عيون المجتمعات الغربية الرجل الشاب الإصلاحي والمعتدل والمنفتح على الثقافات المختلفة".
يشدد الصحفي "السعودي"، على أن "المال وحده لا يصنع إنجازات سياسية"، حيث إن "طموح ولي العهد إلى الاتفاقيات الاقتصادية والعقود التي وقعها في باكستان والتي وصلت إلى 20 مليار دولار على شكل استثمارات، تهدف إلى تطويع حكومة عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني الذي أرّق انتخابه النظام السعودي، إلا أنه سرعان ما تبدلت المواقف وبرز التقارب بين الجانبين، تقارب يضرب على وتر العلاقات الباكستانية الإيرانية، التي يحاول ولي العهد استغلالها لمصلحته عبر الضغط المالي على إسلام آباد التي تحتاج لكم من الأموال في سياق سيرها للمشاريع الاقتصادية في البلاد، من أجل تجييش عداوة بين طهران وإسلام آباد، وانضمام الأخيرة لحلف السعودية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليتضح أن علاقة الرياض بإسلام آباد سترسو على معادلة الدعم المالي مقابل مواقف خارجية داعمة لا يكون من شأنها التأثير في مصالح باكستان وأمنها القومي".
لم تنحسر خيارات جولة ابن سلمان في تجييش إسلام آباد ضد طهران والاتهامات التي رافقته بتمويل الجماعات الارهابية على الحدود بين ايران وباكستان، خاصة ما يسمى "جيش العدل" الذي تبنى الهجوم على الحرس الثوري الإيراني بتاريخ 13 شباط/ فبراير 2019، مع تزامن التفجيرات والزيارة، فإن عدم الاكتفاء برز في فتح جبهات متعددة على خط السياسة السعودية في آسيا، مع محاولة ولي العهد السعودي التقرب من الهند، التي تجتمع جغرافياً مع باكستان، ولكن تختلف معها سياسياً وتتأزم علاقاتهما، تأزم انعكس على استقبال نيودلهي لابن سلمان آتياً من اسلام آباد، إذ رفضت استقباله ما اضطره للعودة إلى البلاد والتوجه منها مباشرة إلى الهند.
رغم المشهدية التي خطّت لتحصيل مكسب سياسي هنا واقتصادي هناك، غير أن الصحفي السعودي في حديثه لـ"العهد" يقلل من أهمية خطوات ابن سلمان، قائلاً "مهما فعل ولي العهد محمد بن سلمان لن يحصل على مكاسب تلامس طموحه، لا سيما مع صراعه مع إيران على النفوذ السياسي في المنطقة بصورة عامة وباكستان والهند بصورة خاصة". ويشدد على أن ابن سلمان منذ وصوله لم يكسب إنجازاً سياسياً، مدللاً على ذلك بالعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية، والابتزاز الإعلامي الذي مارسه الرئيس دونالد ترامب للحصول على اتفاقيات وعقود لبيع السلاح، ويستطرد بالقول "إن هذا لا يعد إنجازاً سياسياً".
في سياق نتائج ومآلات الجولة الآسيوية التي اعتبرت أنها لفتح جبهات بين الدول التي حط رحله فيها ويعمل على حشدها ضد ايران، يعتبر العبندي أن "ابن سلمان ومُستشاريوه وحتى الوزراء المقربين منه، لا يملكون الذكاء السياسي ليكون له دور فاعل هناك"، قائلاً "يكفي أن نعود بالذاكرة إلى الجريمة البشعة في مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، لنكتشف كمية الجهل الأمني والسياسي. في المقابل إيران وعلى ما تعانيه من تحديات داخلية وخارجية تستمر في توسيع النفوذ السياسي وتحقيق المزيد من المكاسب السياسية".
الصحفي العبندي، يعرّج على تزامن الزيارة مع التفجيرات على الحدود الباكستانية الإيرانية من جهة، وأحداث عنف شهدتها كشمير الهندية، ليقول إنه في وقت لا يمكن تأكيد وقوف السعودية خلف دعم التفجيرات، إلا أنه من المؤكد أن منهجية النظام السياسي السعودي قائمة على العنف والقمع وصناعة التطرف، الذي ينتج عنه مجموعات إرهابية "، مشدداً على أنه "إن اختلفت الأسماء والأهداف السياسية المرحلية غير أن الأيديولوجيا تبقى واحدة على مر التاريخ"، في إشارة إلى نشر العقيدة الوهابية ودعم التكفير والإرهاب في مختلف دول العالم.
في خلاصة السيناريو، يتطلع مراقبون إلى الساحة الآسيوية التي قصدها ابن سلمان وخاصة الباكستانية من زوايا مختلفة، ليطرحوا تساؤلات حول ما إذا كان ما يقوم به ابن سلمان مجرد مناكفة مع إيران، لتحصيل دعم نووي وصاروخي باكستاني أم أن في ذهن ابن سلمان مجرد فرصة اقتصادية يحاول قطف ثمارها.