لقد شهدت الساحة السودانية تطوّرات جديدة بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها معظم المدن السودانية ضد حكومة عمر البشير في شهر ديسمبر الماضي، وهنا أعربت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرئيس البشير أعلن يوم أمس السبت في بيان له عن إطلاق حالة الطوارئ في البلاد وحلّ الحكومة الفدرالية وفي هذا الخطاب التاريخي، أشار البشير إلى أن حالة الطوارئ ستستمر لمدة عام وسيتم تشكيل حكومة كفاءات في البلاد، ولفت البشير في خطابه هذا بأنه قام بإلغاء قرار البرلمان الذي يسمح له بالترشح لدورة قادمة ومع ذلك فإن هذا البيان وهذا الخطاب التاريخي لم يمنع المعارضة من التوقف عن الاحتجاجات، حيث رفض منظمو الحراك الاحتجاجي في السودان يوم أمس السبت، إعلان الرئيس البشير حالة الطوارئ وتعديلاته الحكومية، مؤكدين بأنها لن تثنيهم عن الخروج إلى الشوارع للمطالبة بتنحيه عن السلطة.
وحول هذا السياق، أعرب "تقي مشهدي"، الخبير في الشؤون العربية والشمال إفريقية، بأن إعلان الرئيس البشير لحالة الطوارئ والتخلي عن السلطة في عام 2020، يهدف إلى إخماد الاحتجاجات التي تشهدها معظم المدن السودانية، وأضاف "مشهدي"، قائلاً: "يبدو أن البشير رأى أيضاً استحالة تمديد فترته الرئاسية".
جذور الأزمة
كان سقوط الدكتاتور الجنرال "نميري" في السودان عام 1985 بمثابة بداية فصل جديد في تاريخ هذه الدولة العربية الإفريقية، وخلال تلك الأثناء سلّم الجنرال "سوار الذهب" الحكومة إلى المدنيين، وبهذا أصبح "صادق المهدي" رئيساً للحكومة السودانية لمدة أربع سنوات وبعد ذلك تسببت الحرب الأهلية التي نشبت بين شمال السودان وجنوبه إلى حدوث تغييرات كبيرة في قوة البلاد، حيث تمكّن الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال "البشير"، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين من تنفيذ انقلاب عام 1989، عرف باسم ثورة الإنقاذ والتي أدت إلى سقوط حكومة المهدي.
الآن، ما يقرب من 30 عاماً قد مرّت على ذلك الانقلاب الإخواني في السودان وأثناء تلك الفترة شهد السودان حدوث العديد من التطورات، بما في ذلك انفصال حزب "حسن الترابي" عن المجلس العسكري وظهور تيارين أحدهما إسلامي والآخر حزب المؤتمر الحاكم الذي عارض بشدة انفصال جنوب السودان وخلال تلك الفترة أيضاً وقعت أزمة دارفور، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة لتحسين المستوى المعيشي للشعب السوداني، إلا أن استغلال نظام البشير واحتكاره للسلطة أدّى إلى ظهور العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد وهذه الأوضاع المعيشية الصعبة هي التي أجبرت أبناء الشعب السوداني على الخروج في مظاهرات واسعة جابت جميع المدن السودانية للمطالبة برحيل النظام وانتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، وهنا تشير العديد من وسائل الإعلام بأن نظام البشير قابل هذه المظاهرات بالقمع وبالسلاح ولفتت تلك المصادر الإخبارية إلى سقوط العديد من الأبرياء بين قتيل وجريح.
من هم معارضو حكومة البشير
أعرب الأستاذ "مشهدي" بأن السيناريو القائل بأن الاحتجاجات كان لها ارتباط مع حكومات ودول خارجية، وهو ادعاء باطل نشرته حكومة البشير لتبرير عمليات القمع التي تقوم بها قوات الجيش السوداني ضد المتظاهرين ولفت "مشهدي" إلى أن هذا الادعاء لا يخفف من حدة الاحتجاجات وإنما على العكس من ذلك فلقد زاد من تفاقم الأزمة داخل السودان.
وأضاف "مشهدي" بأن معارضي الحكومة السودانية يتمتعون حالياً بشعبية واسعة بين جميع الأطياف السودانية ولديهم قاعدة اجتماعية كبيرة وقال "مشهدي" إن أحد هذه القوى الشعبية الرئيسية المعارضة لحكومة البشير يسمى بالائتلاف الوطني الديمقراطي الذي تشكّل في ديسمبر كانون الأول الماضي في "أديس أبابا"، والذي يتألف من الأحزاب السياسية مثل جبهة الثورة المسلحة لتحرير السودان والعدل والمساواة والحركة الوطنية لتحرير فرع الشمال، والحزب الآخر يدعى الحزب الوطني القومي الذي يضم قوى الإجماع الوطني بما في ذلك الحزب الاشتراكي السوداني، وحزب المؤتمر الشعبي، وحزب البعث، والناصريين وبعض المنظمات غير الحكومية الأخرى.
كما أن هناك حزب يُسمى تحالف القوى المتحدة لعام 2020، والذي تم تشكيله كجزء من المعارضة في سبتمبر 2018 خلال فترة الحوار الوطني ومن بين الأحزاب الرئيسية التي تشكّل هذا التحالف، هناك حزب السلام والعدالة، وحزب التنمية والعدالة الشرقية، وحزب التغيير الديمقراطي وحزب تحرير السودان.
وفي ظل هذه الظروف، فإنه يمكن القول هنا بأن معارضي حكومة "البشير" يتمتعون بنفوذ وسلطة قوية للغاية، ولهذا فلقد انتشرت العديد من الأخبار التي تفيد بأن الجيش سيتخذ موقف الحياد وهذا الأمر سيعجّل من عملية سقوط الحكومة السودانية خلال الأسابيع المقبلة.